http://www.elshami.com

libraries, Islamic
المكتبات الإسلامية

 

استخدم العرب أسماء كثيرة للإشارة إلى المكتبة.  فقد استخدموا ثلاث كلمات تشير إلى مكان الكتب، وهي:

بيت، أو خزانة، أو دار

ثم أردفوا تلك الكلمات بثلاث كلمات أخرى تشير كل منها إلى المحتويات وهي:

حكمة، أو علم، أو كتب

وهذه الأسماء كانت تشكل هكذا:

   ·   بيت الحكمة، أو بيت العلم، أو بيت الكتب

   ·   خزانة الحكمة، أو الخزانة العلمية

   ·   دار الحكمة، أو دار العلم، أو دار الكتب

راجع:

Makdisi, George (1981). The Rise of Colleges: Institutions of Learning in Islam and the West, Edinburgh University Press.

ومن أشهر المكتبات، بيت الحكمة التي أنشأها الخليفة  العباسي هارون الرشيد في بغداد عام 830.  وكانت تلك المكتبة تضم ثلاثة أقسام كبرى، هي: معهد البحوث، والمكتبة، ومكتب الترجمة.  ولقد أحصى ابن النديم في الفهرست وحاجي خليفة في كشف الظنون الكتب التي احتوتها تلك المكتبة والتي ترجمت من اللغات الأخرى مثل الإغريقية والسانسيكريتية.  ولقد استخدم الخلفاء فلاسفة وكتابا لإدارة بيت الحكمة، حتى أن الخليفة المأمون ابن هارون الرشيد استخدم الكندي الفيلسوف في ترجمة أعمال أرسطو إلى العربية.  وكانت أعمال الكندي التي تزيد على 300 موجودة في تلك المكتبة.  ولأهمية الأعمال التي كانت محفوظة في بيت الحكمة، كان الخليفة المأمون يوقع على الأعمال المترجمة إلى العربية ويضع عليه ختمه.

ومن أشهر من عمل في بيت الحكمة قسطة ابن لوقا، ويحيى بن عدي، والفيلسوف الهندي دوبان، وموسى الخوارزمي مؤسس علم الجبر ومؤلف كتاب الجبر والمقابلة.  وكانت بيت الحكمة أكبر مكتبة إسلامية حتى القرن الحادي عشر، عندما أنشأ نظام الملك، وزير السلطان سلجوق مالك شاه، المكتبة النظامية عام 1065.

تكونت مجموعة المكتبة النظامية من الهدايا.  ويخبرنا ابن الأثير أن محب الدين ابن النجار البغدادي أهدى مجموعة كتبه الخاصة إلى المكتبة النظامية.  كما أن الخليفة الناصر أهدى مجموعة كتبه إلى المكتبة النظامية.

ومن أهم من زار المكتبة النظامية عام 1092 نظام الملك الطوسي مؤلف "سير الملوك"، وهو دراسة عن القانون الدولي والذي أصبح من الأعمال الكلاسيكية في هذا المجال.  كما أن هذا المؤلف الهام قضى وقتا طويلا في المكتبة النظامية أثناء زيارته لها.  وقد كانت مرتبات أمناء تلك المكتبات عالية.  ولقد تولى ادارة المكتبة النظامية رجال مشهورون مثل ابن زكريا الطبريزي وأيوب ابن سليمان العسكري. ومن الجدير بالذطر، أن المكتبة النظامية نجت مجموعاتها من حريق كبير عام 1116 وأنشئ لها مبنى جديدا بأمر الخليفة الناصر.

وفي بغداد أيضا، قام الخليفة المستنصر بالله بتأسيس مكتبة غير عادية في المدرسة العظيمة التي أسسها عام 1227 المدرسة المستنصرلة التي لا زالت أطلالها قائمة علي ضفاف نهر دجلة كانت تضم مستشفى ملحق بها. وكانت المكتبة تخدم المدرسة والمستشفي معا.

ويعرض الرحالة الشهير ابن بطوطة وصفا دقيقا للمستنصرية ومكتبتها. فمن خلال التبرعات، تكونت مجموعاتها من الكتب. فقد تلقت حمولة 150 جمل من الكتب النادرة وردت إليها من المجموعات الملكية فقط. وضمت مكتبة المستنصرية مجموعة 80000 مجلد.

إلا أن بغداد لم تنفرد وحدها بالمكتبات العظيمة، فقد كانت لكل مدينة كبرى تقريبا في العالم الإسلامي مكتبتها التي تستحق أن تحمل اسم بيت الحكمة أو دار العلم. ففي القاهرة،على سبيل المثال، كانت توجد " خزائن القصور "، وهي المكتبة الرائعة التي أسسها الخليفة الفاطمي العزيز بن المعز. ففي حوالي أربعين صالة، كان يصطف حوالي 1,6 مليون كتاب مرتب وفق نظام معقد للتصنيف. وضمت القاهرة أيضا بيت الحكمة التي أسسها الحاكم، سادس الخلفاء الفاطميين خلال عام 1005. وكانت تضم مجموعة ضخمة اشتملت على مجموعة الكتب الشخصية الخاصة بالخليفة. وكانت مفتوحة للجمهور العام كما كانت توفر مواد الكتابة مجانا للجميع. أما من كان يحتاج إلى وقت للدراسة والبحث، فكان يقدم إليه السكن مجانا مع الوجبات الغذائية، كما كان يتلقي مصروفا يوميا. ولم يكن الخلفاء وحدهم هم الراعون للمكتبات، فقد ساهم الولاة ومن هم أقل منهم في السلطة في إقامة المكتبات. فمثلا، يصف الفسلسوف والطبيب العظيم ابن سينا مكتبة نوح ابن منصور، سلطان بخاري، فيقول إنه بعد أن حصل على إذن من نوح بن منصور بزيارة المكتبة، ذهب إلى هناك فوجد عددا كبيرا من الحجرات مملوءة بالكتب المعباة فى صناديق. وكانت إحدى الحجرات تحتوى علي أعمال في اللغة والشعر، كما احتوت حجرة أخرى على الفقه، وهكذا كانت المكتبة تضم الكتب الخاصة بكل فرع من العلوم على حده. وعند اطلاعه على فهرس قدماء المؤلفين عثر فيه على كل ما يحتاجه. وقد وجد العديد من الكتب التي كانت عناوينها غير معروفة للكثير من الناس، كما عثر على عناوين لم يصادفها من قبل أو بعد ذلك.

ومما يذكر، أنه عندما عرض نوح بن منصور منصب كبير وزراء سمرقند علي العالم صاحب بن عباد، امتنع ابن عباد عن المنصب وقال بأنه يحتاج إلى 400 جمل لنقل كتبه إلى سمرقند. وتفهم السلطان مدى الصعوبة وقبل اعتذاره. ومثل نوح بن منصور كان معظم حكام الأقاليم في عصره من محبي الكتب. فمثلا كان يدير مكتبة حدود الدولة هيئة كبيرة أدهشت الجغرافي الشهير المقديسي الذي كتب وصفا مفصلا عنها. وقد ظلت تلك المكتبة قائمة حتى زمن الحريري (توفي عام 1122).

وحيث أن المكتبات المركزية اعتبرت أمانة من الله ، فقد كانت بالكامل تحت تصرف الجمهور حيث كانت تعتبر مكتبات عامة. فقد كانت مفتوحة للناس من كافة الفئات والطبقات الذين كانوا يحملون تصريحا بالقراءة ونسخ أي مخطوطة يرغبونها. وبالإضافة لذلك، لم تكن تلك المكتبات مجرد مخازن للكتب ، بل كانت مكتبات عامة بمعنى الكلمة. وبغض النظر عن برامج البحث المكثفة، كانت تلك المكتبات أيضا مراكز للمناقشة والمحاضرات والمناظرات والنشاطات الفكرية العامة الأخرى. فقد كان للدارسين حرية استعارة الكتب ونسخ المخطوطات. كما أن عددا كبيرا من المخطوطات التي ذكرت في فهرست ابن النديم في القرن العاشر كانت قد نسخت في بيت الحكمة - وهو ما حير بعض المستشرقين ودفعهم إلى الاعتقاد بأن فهرست ابن النديم ما هو إلا فهرس لبيت الحكمة ضم حوالي 60000 كتاب.

 

أما تصميم مباني المكتبات وعمارتها، فقد أوليت قدرا كبيرا من الاهتمام للتيسير على الجمهور الوصول الى الكتب وأقسام الخدمات الأخرى لدراسة ونسخ المخطوطات. وكانت معظم المكتبات كالتي وجدت في شيراز والقاهرة وقرطبة، موجودة في مبان مصممة خصيصا لها بحجرات عديدة للأغراض المختلفة ومعارض ذات أرفف تصطف عليها الكتب، وحجرات يمكن للزوار الجلوس والقراءة فيها ، وقاعات للمحاضرات العامة والمناظرات بما في ذلك في بعض الأحيان قاعات للاستماع للموسيقي. وكانت تلك الحجرات والقاعات مجهزة بسخاء بالسجاد والبسط التي يمكن للقارئ الجلوس عليها. ولقد هيأت الستائر السميكة جوا مريحا وحافظت على درجة الحرارة المناسبة داخل الحجرات، ووصف المؤرخ ياقوت لمكتبة عضد الدولة في شيراز يعطي انطباعا عاما عن تصميم تلك المؤسسات. فقد قال إن المكتبة تتألف من صالة واحدة بسقف عالي، وألحقت بها حجرات للتخزين. كما أنشأ الأمير بطول الصالة الكبيرة غرف التخزين وسقالات في ارتفاع قامة رجل، عرضها ثلاث أذرع، مصنوعة من الخشب المزين ولها أرفف من القمة حتى القاعدة، وتصطف الكتب علي الأرفف ولكل فرع من العلوم سقالات منفصلة. كما أنه كانت هناك فهارس مقيد بها كافة أسماء الكتب.

Khuda Bukhsh (1902). The Islamic Libraries. The Nineteenth Century, 52 125-39.

 

كانت الكتب في تلك المكتبات تصنف بالموضوع. فمع تطور الكتب والمكتبات وتقدم المعرفة، ظهرت طرق عديدة للتصنيف. ولقد كان العلم هو الشغل الشاغل للعلماء المسلمين، مما جعلهم يصيغون العديد من التعريفات لكلمة المعرفة، بالإضافة الى تقسيمها وتصنيفها. وأشهر تلك التصنيفات هي أنظمة التصنيف التي صاغها الكندي (حو 801 - حو 850)  الذي كان أمين مكتبة، عندما أحصى كتب أرسطو وبين من وجهة نظره أهمية الرياضيات وقدمها على الطبيعة والمنطق. ولم يكتف بذلك بل أضاف مفهوم الإسلام للعلوم الإلهية. وقد ميز بين الدين والفلسفة وأوضح ماهية النبوة والمعرفة الإلهية. وهذا ملخص لتصنيف الكندي:

 

العلوم النظرية

                   الرياضيات

                             الحساب، الهندسة، الفلك، الموسيقى

          المنطق

المقولات، التفسير، القياس، البرهان، الجدل

الإقناع، الخطابة، الشعر

          الطبيعة

الطبيعة، التوالد والفساد، الطقس، المعادن، النبات، الحيوان

علم النفس

ما بعد الطبيعة

الدين

 

العلوم العملية

          الأخلاق والسياسة

 

أما الفارابي (870 - 950) فقد وضع تصنيفا كاملا للعلوم في كتابه: إحصاء العلوم،

والخوارزمي (توفي حوالي 980) فقد ألف مفاتيح العلوم

والتوحيدي (922؟ - 1023) فقد وضع رسالة في العلوم

وابن فريغون (حوالي 950) فقد كتب جوامع العلوم

وإخوان الصفا في القرن العاشر الميلادي، فقد وضعوا رسائل أخوان الصفا حيث كانوا مهتمين بنظرية المعرفة في الرسالة السابعة من الباب الأول، حيث قسموا العلوم إلى:

العلوم الأساسية، والعلوم الدينية، والعلوم الفلسفية

واستخدموا هذا التصنيف في تقسيم رسائلهم التي بلغت 52 رسالة في أربع كتب كالآتي:

الرياضيات والتعليم

العلوم الطبيعية

العلوم النفسية

العلوم الإلهية (الناموس والشريعة)

 

كما وضع ابن النديم كتابه الفهرست حوالي 987.

كما أن ابن سينا (980 - 1037) وضع كتاب الشفاء الذي كان يمثل مدى المعرفة في عصره حيث صنفه طبقا للعلوم التي كانت معروفة في ذلك الوقت.

وهناك أيضا معالجات الغزالي (1058 - 1111) في كتاباته للمعرفة والعلوم.

وابن تومرت (1076 - 1130) في كنز العلوم

والرازي (864 - 925) في جوامع العلوم

وابن الطوسي (1201 - 1274) في رسالة في تحقيق العلوم

وابن خلدون (1332 - 1403) في مقدمته

والفناري (1350 -1431) في أنموذج العلوم

والأكفاني (توفي حوالي 1348) في إرشاد المقاصد الذي اتبع فيه نظام الفارابي بتوسع حيث أضاف الكثير من العلوم التي ظهرت بعد الفارابي.

والقلقشندي  (1355 أو 1356 - 1418) في صبح الأعشى، حيث جعل فصلا في "ذكر العلوم المتداولة بين العلماء"

والبسطامي (توفي 1454) في "في موسوعة العلوم"

وطاش كبري زادة (1495 -1512) في مفتاح السعادة ومصباح السيادة.

وحاجي خليفة (1608 - 1657) في كشف الظنون

والتهانوي (حوالي 1745) في كشاف اصطلاحات الفنون

وصديق خان (1832 - 1890) في أبجد العلوم.

 

أما المكتبات الكبرى، مثل بيت الحكمة فى بغداد فقد كان لها حجرات مستقلة للنساخ والمجلدين وأمناء المكتبات. ويصف Imamuddin المكتبة الإسلامية بأنها كانت بكاملها مرئية من نقطة مركزية واحدة، وبذلك يكون للرواد طريق مفتوح نحو الكتب والخدمات الأخرى.

Imamuddin, S. M. (1983). Some Leading Muslim Libraries of the World, Dhaka, Islamic Foundationm Bangaladesh.

 

وبغض النظر عن المكتبات المركزية ، كان هنالك العديد من المكتبات العامة . ففي مدينة مثل "مرف Merv " وجد الرحالة والجغرافي ياقوت الحموي مالا يقل عن إثني عشر مكتبة. خلال أقامته لمدة ثلاث سنوات في المدينة حيث قام بجمع الجزء الأكبر من مادته لقاموسه الجغرافي. أما فيما يتعلق بالإعارة، فقد فقد احتفظ ياقوت بماثتي مجلد في وقت واحد.

 

وضمت بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وأصفهان ولاهور ودلهي وسمرقند مجموعة من المكتبات العامة . وكانت معظم تلك المكتبات تتلقى دعما ماليا من الحكومة، وبعضها كانت أوقافا من أفراد رغبوا في رفعة العلم. ويروي الجغرافي المقدسى بأنه خلال القرن العاشر تلقي زوار المكتبات المركزية في البصرة ورامهرمز إعانة مالية للقيام بعملهم. وبالإضافة إلى ذلك، كانت لمكتبة البصرة أستاذ متفرغ يمكن أن يتلقى الدارس علي يديه فكر المعتزلة وأفكارهم.

 

وبالإضافة إلى المكتبات العامة كانت هناك مكتبات خاصة تأسست لرعاية أفرع عديدة في الآداب والعلوم. فقد وجدت مجموعات طبية فى المستشفيات، وأعمال في الرياضيات والفلك  والتنجيم وكتابات دينية وقانونية في المساجد والمعاهد التعليمية ومجموعات أكثر تنوعا في العديد من الأكاديميات الكبرى. وبذلك تم تدعيم كل مؤسسة اجتماعية وثقافية وعلمية بمكتبة ثرية.

 

وبالإضافة الى المكتبات المركزية والعامة والمتخصصة، كان هناك بالفعل الآلاف من المجموعات الخاصة. فخلال العصر العباسي، كانت مجموعة يحيى بن خالد البرمكي في بغداد معروفة كأغنى المجموعات. ففي هذه المكتبة، كانت توجد ثلاث نسخ من كل مجلد، كما كانت تضم مظم الأعمال النادرة من بيت الحكمة. وخلال القرن الحادي عشر، أصبحت مكتبة محمود الدولة ابن فاتك المقتنى المعروف للكتب، مشهورة بسبب قضاءه جل وقته في مكتبته في القراءة و التأليف، حتى أن عائلته التي أحست منه بالإهمال نحوها، هموا بالتخلص من الكتب في غضب عند وفاته.

 

أما مكتبة العالم الشهير الواقدي في القرن التاسع، فقد احتاجت إلى 120 جمل و600 خزانة لحملها من بغداد إلى ما وراء نهر دجلة. وكان جامعو الكتب يفتخرون بتأسيس المكتبات ويدعون إليها العلماء والزوار حيث كانت تلك المكتبات محل الفخر والزهو.

وتقول روث ستلهورن ماكنسن

Mackensen, Ruth Stellhorn (1935). Background to the history of Moslem Libraries, American Journal of Semitic Languages and Literatures, 51 114-25.

كان الاهتمام بالكتب والمكتبات هو الذي سمح للمسلمين بتطوير المكتبة كمؤسسة لا تبارى، حتى أصبحت المكتبات واسعة الانتشار في العصور التالية، ولكنها لم تتلقى نفس الرعاية التي أوليت إليها في البلدان الإسلامية.

*From: Sardar, Ziauddin (1988). Information and the Mulim World; A Strategy for the Twenty-First Century, London: Mansell Publishing Limited.