العلم
الذي يهتم بدراسة خصائص وسلوك المعلومات، وإنشائها واستخدامها،
والقوى التي تتحكم في انسيابها وإداراتها ووسائل معالجتها وتجهيزها
لأقصى درجة من الوصول والاستخدام. ويشمل التجهيز انتاج المعلومات
وبثها وتجميعها وتنظيمها واختزانها واسترجاعها وتفسيرها
واستخدامها. ومجال العلم مشتق من أو متصل بالرياضيات والمنطق
واللغويات وعلم النفس وتكنولوجيا
المعلومات والحاسبات وبحوث العمليات والاتصالات وعلم المكتبات
والإدارة وبعض العلوم والمجالات الأخرى.
وكان من أهداف هذا المعهد إظهار أهمية الدراسات العلمية للمعلومات
والعمليات المتعلقة بالاتصالات العلمية بين العلماء. وكان من أنشط
ممن كان يدعو إلى إنشاء هذا المعهد
James
Farradane (1906-1989)
الذي كان يعقد اجتماعات منذ 1954 مع بعض المهتمين بالمعلومات
العلمية في ذلك الوقت. وكان استخدام المصطلح: علماء المعلومات
information scientists،
يهدف إلى تمييز علماء المعلومات عن علماء المعامل
laboratory scientists،
حيث كان الاهتمام الرئيسي لأعضاء المعهد هو إدارة وتنظيم المعلومات
العلمية والتكنولوجية
(2).
ويرجع الفضل إلى
Farradane
لبدء تدريس علم المعلومات في
Northampton College of Advanced Technology
التي تغير اسمها بعد ذلك إلى
City
University.
وقد اقتصرت عضوية معهد علماء المعلومات على العلماء العاملين في
مجال المعلومات فقط. ويحدد
Cooper
العمل في مجال المعلومات كما ورد في بنود لائحة المعهد على أنه:
“the collection
collation evaluation and organized dissemination of scientific
and technical information”
أي: "التجميع والموازنة [المقارنة بين النصوص] والتقويم والبث
المنتظم للمعلومات العلمية والتكنولوجية".
(لاحظ عدم استخدام فواصل في النص الانكليزي شأن معظم النصوص
القانونية).
وبناء على هذا التعريف، لم يسمح للعاملين بالمكتبات بالعضوية في
هذا المعهد، حيث يقول
Cooper:
"عند النظرة الأولى قد نعتقد أن مهنة المكتبات هي مثال واضح على
العمل في المعلومات - فالمكتبات تقوم حقا بالتجميع والموازنة
[المقارنة بين النصوص]
- ولكن مهنة المكتبات الخالصة وحدها لم يقبلها المعهد كعمل في
المعلومات؛ إذ أن التأكيد ينصب دائما على الجانب النشط للتقويم
والبث القائم على التمييز."
(3 ص. 5)
أما في الولايات المتحدة، فإن نظرة فاحصة للكتابات التي نشرت في
الخمسينيات وحتى 1962، تظهر أن هذا المصطلح لم يستخدم في عناوين
الكتب أو المقالات أو المؤتمرات التي عقدت في تلك الفترة. ولكن
استخدمت المصطلحات التالية: "استرجاع المعلومات
information retrieval"،
"المعلومات العلمية
scientific information"،
كما استخدم أحيانا مصطلح "التوثيق
documentation"
للإشارة إلى المعرفة المدونة
recorded
knowledge.
ولكن أول استخدام رسمي للمصطلح يرجع إلى 1959 عندما ظهر في تسمية برنامج قدمته مدرسة مور لهندسة الكهرباء عن علوم الكمبيوتر والمعلومات:
وفي 1960 نادى
Heilprin
بضرورة الدراسة العلمية لخصائص المعلومات ومشاكلها واستخدام
الوسائل الرياضية والتطبيقية في تحليلها، تماما كما تستخدم تلك
الوسائل في العلوم الأخرى
(5).
وفي 1962 عقد أول مؤتمر تحت عنوان:
Conference on training science information specialists. Atlanta,
Georgia Institute of Technology, 1961-62.
وفي دراسة مسحية قام بها
Wellisch
(6)،
ذكر معظم الأسماء التي أطلقت على هذا العلم على مدى خمس سنوات من
1965-1970 كالآتي:
documentistics,
documentology, epistemo-dynamics, informantics, informatistics,
informatology, information and documentation science,
informology, and social epistemology.
وعلى الرغم من أن الرواد الأوائل مثل: بروكس
B. C.
Brookes،
وكليفردون
Cyril
Cleverdon،
وفيرثورن
Robert
Fairthorne،
ودي سولا
Derek De
Solla،
وجارفيلد
Eugene
Garfield،
وكوشن
Manfred
Kochen،
ولانكستر
F. W.
Lancaster،
وسالتون
Gerhard
Salton،
وفيكري
Brian
Vickery
كانوا من العلماء البارزين في تخصصاتهم العلمية، إلا أنهم
جميعا
كانوا يهتمون بتنظيم وتوفير المعلومات العلمية لزملائهم العاملين
في معاهد البحوث والتطوير والمجالات الصناعية. وتعتبر الأعمال التي
قاموا بها امتدادا لمحاولات نظرية وتطبيقية سابقة للتصدي لمشاكل
تنظيم وبث المعرفة المدونة والتي كانت قد بدأت قبل الحرب العالمية
الثانية. فقد كان من المتعارف عليه أن من كانوا يوفرون الأدوات
العملية لبث المعلومات العلمية كان يطلق عليهم الموثقون
والمكتبيون. أما الموثقون - الذين أطلق عليهم فيما بعد أخصائيو
المعلومات - فقد كان شغلهم الشاغل هو الجوانب العملية لنقل
المعلومات العلمية والتقنية في مجالات تخصصاتهم المحددة، وإليهم
يرجع الفضل الأكبر للتطورات التي حدثت بعد ذلك في علم المعلومات.
وأما المكتبيون، فهم مدربون في مهنة المكتبات، وبالنسبة لهم، تعتبر
عملية نقل المعلومات عن طريق مواقع كالمكتبات عمل في غاية الأهمية
من الناحيتين الاجتماعية والثقافية.
ولقد أحدث هذا الفصل بين المكتبات والمعلومات أزمة في الهوية وفي
البناء المجزأ لنظرية علم المعلومات استمرت عددا من السنين. ومن
الأهمية بمكان أن جمهور المكتبيين في السنوات الأخيرة قد توصل إلى
اتفاق تام مع علم المعلومات. فتأثير أخصائيي المكتبات قد ساعد على
اتساع مفهوم حقل المكتبات لتنضوي تحته بيئات أخرى تلعب فيها
المعرفة المدونة والمعلومات دورا حيويا في الميادين الثقافية
والتجارية والاتصالات.
ويتساءل
بيتر إنجورسن (8، ص. 137) عن الدوافع وراء المحاولات لإنشاء
علم تكون مهمته بالضرورة هي تناول الوثائق، كما يتساءل عن الضرورة
التي دعت إلى الدراسة الجدية لعملية انتقال المعلومات المدونة من
المنشئ إلى المستفيد، فيقول إن الجواب الشائع والمعروف يتعلق
بالانطباع المنبعث من
المجتمع المعلوماتي
information society
الذي يقرر أن علم المعلومات إنما نشأ بسبب القضايا والمشكلات
المتعلقة بالحصول المادي والفكري على كيان المعرفة، ذلك الكيان
الذي أخذ ينمو بسرعة عالية، والذي يشار إليه
بالانفجار المعلوماتي الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية،
والذي ارتبط بالتعقيد المتزايد لإيجاد حلول للمشكلات التي أخذت هي
الأخرى في التزايد في جميع مستويات المجتمع والتي استفادت من الفرص
التي أتاحتها تكنولوجيا المعلومات لحل العديد منها.
ويعتبر
إنجورسن أنه على الرغم من صحة هذا الجواب، إلا أنه
يعتبر
جوابا غير متعمق في أحد جزئياته. فما حدث حقيقة خلال هذا القرن كان
في الواقع "انفجارا وثائقيا
document
explosion"
عنيفا في مجال العلوم
science
وأنشطة المجتمع الأخرى، نجمت عنه مشاكل تتعلق بالوصول المادي إلى
الوثائق نفسها ومن ثم الوصول الفكري للحصول على المعلومات
الضرورية، إذ أن المعلومة نفسها تنشر في العديد من الوثائق. وبناء
عليه، فالجواب الشائع يخطئ حينما يفترض أن المعلومات تعادل
الكيانات المادية التي تحمل
الرسائل
messages
(المعلومات). أما إذا كانت المعلومات ببساطة مرادفة للكلمات
والجداول والصور، الخ، فيكون التفسير الشائع تفسيرا صحيحا، حيث أن
المعلومات التي يشير إليها علم المعلومات لا تشير إلى الكيانات
المادية كالوثائق والمستندات مثلا. ويقول إن مفهوم المعلومات من
وجهة نظر علم المعلومات، يجب أن يحقق متطلبين: فمن ناحية تكون
المعلومات هي حصيلة عملية تحويل البنيات المفاهيمية عند منشئ
المعلومات وذلك من خلال التصور النموذجي لحالة المعرفة عند الشخص
الموجهة إليه تلك المفاهيم والتي تكون في حالة رموز. ومن الناحية
الأخرى، فالمعلومات تكون شيئا "عندما يُفْهَم أو يُدْرَك، فهو يؤثر
على، ويغير من،
حالة المعرفة عند الشخص الذي يستقبلها". وعندما نقول "يُدْرَك"
فهناك انطباع معين بوجود سبب متعَمد، وتوقُّع، ورغبة فيما يتعلق
بتقييم كل ما هو مدون ومتاح لمن يستقبل تلك المعلومات حتى يكون
هناك فهم وإدراك وتأثير وتغيير
(9، ص. 33).
والمشكلة الثانية في الجواب الشائع تكمن في أننا لسنا بالضرورة في
حاجة إلى علم تكون مهمته توفير الحصول على الوثائق، إذ أن كل ما
نحتاجه هو استخدام تقنيات متطورة تسمح لنا بملاحقة الزيادة
المضطردة في كمية الوثائق. وهو تماما ما قام به الأرشيفيون
والمكتبيون والموثقون عبر التاريخ. فقد استفاد هؤلاء من جميع
تقنيات المعلومات في أزمانهم بدون الحاجة إلى علم للمعلومات، حيث
استخدموا الألواح الطينية والرق والورق. وعلى هذا المستوى العملي
أو التطبيقي، دوّن هؤلاء للبشرية، باستخدام الأدوات والوسائل
المتاحة في أزمانهم، إحصاءات بما لديهم من مواد في صورة كتالوجات
للمكتبات مكتوبة بخط اليد على أدراج كما حدث في مصر القديمة، إلى
قوائم بالأعمال الموجودة في أزمانهم كما في الفهرست لابن النديم،
إلى خطط للتصنيف تمثلت في خطط تصنيف المكتبات على مر العصور، إلى
الكشافات الموضوعية والببليوجرافيات العلمية وأنظمة التصنيف
العالمية في القرن التاسع عشر حتى استخدام الكمبيوتر في الستينيات
من القرن العشرين لاسترجاع الوثائق العلمية.
بيد أن المشكلات بدأت تظهر في الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد
كان من الصعب على العلماء أن يتابعوا التطورات العلمية في تخصصاتهم
بالاطلاع على كل ما ينشر في الدوريات العلمية، فظهرت الحاجة إلى
المستخلصات والكشافات للبحث عن المقالات ثم طلبها من ناشريها أو
الاطلاع عليها في المكتبات، وتلك كانت عملية مضيعة للوقت وعالية
التكاليف، كما كانت تستدعي التخمين بأهمية المادة قبل طلب نصها
الكامل. هذا الأسلوب الذي زاد من أهمية إمكانيات الوصول إلى الشكل
المادي، والذي يصاحبه قصور في إمكانيات الوصول إلى المحتوى الفكري،
لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا. وعلى العموم، فإن تكنولوجيا
الكمبيوتر قد ساعدت على انكماش حجم المشكلات المصاحبة للوصول إلى
المعلومات. ووجود النصوص
الكاملة في شكل إلكتروني يؤكد المشكلات الأساسية المتعلقة بالوصول
الفكري. كما أنه لم يقلل من تعقيد عملية الوصول والاستخدام.
وعلى عكس الميادين التي اعتمدت على تقنية المعلومات
information technology
بعد الحرب العالمية الثانية، كنظرية المعلومات
information theory
أو علم الكمبيوتر، نجد أن علم المعلومات لم ينبع من ميدان علمي
ثابت له جذور كهندسة الكهرباء أو الرياضيات، مثلا. تلك الحالة من
الجمود النظري
لم تمنع هذا الميدان من أن تعترف به الميادين التي تعتمد على
تكنولوجيا المعلومات، ولكن بعض الميادين الإنسانية، مثل علم النفس،
أوعلم الاجتماع، أو العلوم اللغوية، لم تقدر هذا الميدان كعلم مثل
بقية العلوم. وقد وصف
Griffith
علم
المعلومات بأنه علم رخو
soft science،
يعني أن موضوعه يتميز بالتعقيد والمراوغة وأن الاختلاف في وجهات
النظر عند دراسته حتمي ومتوقع
(10).
هذا بالمقارنة بمجالات البحث في العلوم الصلدة
hard sciences
مثل علوم الطبيعة، حيث يتوقع أن نصف الظواهر الطبيعية بصيغ
ومعادلات رياضية حاسمة. والمشكلة هنا هي أن معظم علماء المعلومات
وهم من علماء العلوم الصلدة حاولوا تطبيق خبراتهم على علم
المعلومات وهو علم رخو.
تأسيس علم المعلومات
علم بلا هوية
ومن الأهمية أن نظهر تلك المحاولات "للنشوء العلمي القسري" -
المبني على رغبة في الكمال - ولولاها لنشأ هذا العلم بدون روح
ولابتلعته العلوم الأخرى خلال الستينيات.
ويوضح الشكل رقم 1 علم المعلومات وتفاعله مع حقول المعرفة الأخرى التي تتناول المعلومات (13 ص 103)
في تلك الفترة بدأ علم المعلومات في انتاج نظريات ونتائج للأبحاث
الجارية، ولكن كان معظمها يتعلق بحقول أخرى للمعرفة، مثل تطبيقات
تقنيات الحاسب في حقول الطب والكيمياء، فيما يتعلق بتكشيف واسترجاع
ونقل المعلومات. كما استخدمت نظريات من حقول أخرى كالعلوم السلوكية
والإحصاء فيما يتعلق بأساليب البحث وفهم استخدام المعلومات في
المجتمع. كما كان هناك سيل من وجهات النظر أفقيا على مستوى الحقول
الرئيسية ورأسيا بين الحقول في مستويات مختلفة (الشكل 1) أدت إلى
ظهور محاولات خلال تلك الفترة لدمج علم المعلومات مع أو في ميادين
علمية أخرى حتى يتسم بالمتانة العلمية والرسوخ. وهناك اتجاهان
واضحان في هذا المضمار:
المعلومات وعلم الاتصالات
لأن
نظرية الاتصالات
communications theory
تهتم بالدور الحيوي الذي تلعبه اللغة، كما تهتم بطبيعة ووسائل
انتقال وتوصيل المعاني، كما أنها تتناول عمليات حمل المعلومات
وانتقالها بين المرسل والمستقبل، اعتبرها بعض العلماء أنها لن تثري
فقط علم المعلومات، بل انها ستكوّن النظرية الكبرى
metatheory
لهذا العلم. وقد اقترح ذلك كل من
Saracevic
(14)
و
Goffman
(15).
ثم تبعهما بعد ذلك كل من:
Dervin and Nilan
(16).
وكان
Goffman
قد قدم تصوره عن تعريف علم المعلومات (17)
فيقول: "لأن كلمة المعلومات تستخدم في سياقات كثيرة، فإنه من الصعب
تكوين تعريف واحد شامل لها". وعلم المعلومات الذي يقترحه
Goffman
يكون هو العلم الذي يهتم بدراسة الظواهر المتعلقة بالمعلومات بدلا
من دراسة المعلومات نفسها.
أما
Saunders
فقد أكد
ضرورة تدريس علم يدور حول الاتصالات البشرية
human
communication
(18).
كما اقترحت
Artandi
أن المفاهيم المعلوماتية
information concepts
ضرورية لعلم المعلومات على أساس الاستخدام المحتمل لتلك المفاهيم (19).
وتنظر
Artandi
إلى
علم المعلومات على أنه العلم الذي يهتم بنظام اتصالات معقد يجب
دراسة جميع مستوياته. ثم استخدام المفاهيم المعلوماتية لفصل تلك
المستويات ثم محاولة فهم كل مستوى على حدة. وهي كذلك تعتبر أن
المفاهيم المعلوماتية يمكن أن تكون نافعة لتكامل الأنشطة المتباينة
لعلم المعلومات. ويؤيد
Otten
موقف
Artandi
الذي يؤدي إلى دراسة المستويات المتعددة للاتصالات (20).
ويبدو أن هذا الاتجاه يعتبر منطقيا من حيث أن نقل
transfer
المعرفة المدونة يتضمن معاملات اجرائية، كما يشتمل على انتقال
المعاني بين الكائنات، وكذلك انتقالها بين الكائنات والأنظمة التي
تحتوي على البنيات المفاهيمية
conceptual structures.
وتوضح البحوث في الاتصالات العلمية وفي عدة مناهج في استرجاع
المعلومات
information retrieval
هذا الولاء لعلم الاتصالات. تلك العلاقة اكتسبت قوة خلال
الثمانينيات تحت تأثير الأبحاث التي أجريت على المستفيدين. وكنتيجة
لهذا المنحى، اندمجت في الولايات المتحدة بعض هيئات تدريس
الاتصالات والمكتبات وعلم المعلومات. وأساسا، فإن هذا الولاء لعلم
الاتصالات يناسب الباحثين الذين يدرسون سلوكيات وتفاعلات العناصر
البشرية في انتقال المعرفة المدونة.
المعلومات وعلم الكمبيوتر
إن تركيز بعض علماء المعلومات على أنظمة وتكنولوجيا المعلومات فيما
يتعلق بتنظيم المعرفة وانتقالها يدلل على النزعة لدمج علم
المعلومات في علم الكمبيوتر. ويحلل
Hans Wellisch (6)
ذلك الاحتمال، كما يؤيد
S. Gorn
اندماجا بين الميدانين لتأليف ما يسمى بالمعلوماتية informatics
(21).
أما
K. Samuelson،
عالم المعلومات السويدي، فقد اقترح ما يسمى بالنظم والسيبرانية
والمعلوماتية:
SCI
(systems, cybernetics, informatics)
كنتيجة
لدمج علم المعلومات في علم الكمبيوتر، حيث أنشأ قسما يقوم على هذه
المبادئ (22).
وهو يرى أن السيبرانية
cybernetics
التي تتضمن الاتصالات والتحكم وعلوم النظم، تتقارب من علم
المعلوماتية
informatics
الذي يتضمن أساسا علوم المعلومات والكمبيوتر وكذلك تكنولوجيا
المعلومات.
ويناقش
Zhang Yuexiau
التعريفات المختلفة لعلم المعلومات ويقرر أنه لا يوجد أي مبرر
لإحلال علم الحاسب بعلم المعلومات
information science
أو المعلوماتية
informatics
(23)،
هذا على الرغم من أنه يوافق على استخدام التسمية "الكمبيوتر وعلم
المعلومات
computer
and information science".
علم المعلومات كعلم مستقل
وإلى جانب الانضمام إلى ميادين علمية أخرى أو استخدام نظريات من
علوم أخرى، كان معظم العاملين في هذا الميدان يحاولون حل مشكلة
تكوين شخصية مميزة لهذا العلم. إذ نجد
Brookes
يتخذ منحى مختلفا عندما حاول تعريف ما يدور حوله هذا العلم حتى
تكون جوانب الدراسة واضحة عند تناولها بالبحث والتحليل (25).
وهو يفعل ذلك من خلال معادلة أساسية لعلم المعلومات:
K(S) + I = K(S + S)
وهذا المعادلة في مفهومها العام توضح الجوانب التي يهتم بها علم المعلومات، والتي تقرر أن:
البنيات المعرفية
K(S)
تتغير إلى حالة جديدة معدلة من حالات المعرفة
K(S + S)
حيث S تشير إلى التغيير الحادث.
وحتى يمكن حل مشكلة علم المعلومات، طبقا لبروكس، يتحتم فهم جميع عناصر المعادلة (بما فيها العمليات الرياضية). وهكذا يتحتم تكوين مفهوم للمعلومات من أجل فهم المعادلة الأساسية.
ومن ناحية أخرى، أكد المؤلفون الثلاثة: Mikhailov, Chernyi, and Giliarevskii أن مفهوما راسخا للمعلومات التي يهتم بها علم المعلومات يكون ضروريا لتعريف ما يدور حوله هذا العلم، أي تعريف حدود هذا العلم (26). وقد يؤدي ذلك إلى جدل دائري، حيث أنهم يبدأون بفكرة تعريف ماهية علم المعلومات التي تؤدي بدورها إلى نوع معين من المفهوم المعلوماتي. ولكن تكوين المفهوم نفسه سيبين الظاهرة التي يجب أن يدرسها علم المعلومات والأساليب التي تستخدم في تلك الدراسة.
أما Barnes، فمنهجه متطور بعض الشيء وهو يشير إلى أهمية تواجد مفهوم للمعلومات (27). فهو يعتمد على فلسفة العلم التي اقترحها Kuhn (28) ، حيث يقول Kuhn إن أنشطة أي مجال علمي ناضج تكون مبنية على "أنموذج تحليلي paradigm بارادايم" أي على الطريقة التي ينظر بها إلى ذلك المجال والتي تكون شائعة ومعروفة بين جميع الممارسين لهذا المجال العلمي. وبدون هذا الأنموذج، فإن هذا المجال العلمي لن يتواجد. ويقترح Barnes أن علم المعلومات هو في حالة ما قبل تكوين الأنموذج التحليلي pre-paradigm state، وأن وجود مفهوم للمعلومات هو المرشح المعقول لتكوين الأنموذج التحليلي الموحد والذي سيتكتل حوله علم ناضج للمعلومات. وعلى ذلك، فإن وجود مفهوم للمعلومات يكون شرطا أساسيا لأن يصبح علم المعلومات علما "حقيقيا" و "ناضجا" بالكفاية.
أما
Robert A. Fairthorne (29)
فقد قدم تصوره لشكل تدفق المعلومات المبني جزئيا على علم الرموز
semiotics
وجزئيا على نظرية الاتصالات. ويقول، إذا كنا سنستخدم مصطلح
المعلومات باستمرار، فعلينا أن نعرّف هذا المصطلح حتى نعرف ماهية
ما نتحدث عنه. هذه المحاولة أمدت هذا المجال بإطار عمل فريد وتخطيط
بناء كان على أهمية كبرى للدراسات اللاحقة. فهو يقترح قاعدة مفصلة
تسمى
informatology،
وفيها يعتبر علم المعلومات علما شاملا لكل المحاولات الأخرى
المتعلقة بالمعلومات عامة. وبتحوير بسيط لتلك الأسس النظرية يمكن
أن ينتج عن هذا الاقتراح شكل آخر هو ما نعرفه نحن اليوم عن علم
المعلومات.
أما
شيرا، فهو يؤيد إنشاء مجال علمي يتعامل أساسا مع التفاعل
الرمزي
symbolic
interaction،
أو ما يسمى بالتفاعل الاجتماعي
social
interaction.
وهو يعتبر علم المعلومات الأساس النظري
لمهنة المكتبات
librarianship،
وينظر إلى الحقل من خلال الدور الاجتماعي لمهنة المكتبات. وهو
يستخدم مصطلح "نظرية المعرفة الاجتماعية
Social
epistemology"
عند الإشارة إلى ذلك المجال العلمي.
ويقول إنه متأكد من أنه أخطأ في الماضي عندما اعتقد أن علم
المعلومات كما يعرف حاليا [1983] يقدم الأساس الفكري والنظري لفن
المكتبات. فالعلم يتعامل مع "أشياء" يمكن قياسها وخلطها مع بعضها،
بينما فن المكتبات يتعامل عرضا مع "أشياء" ولكن تلك الأشياء تكون
أساسا عبارة عن أفكار ومفاهيم. وأن المكتبيين يجب أن يتميزوا
بمعرفتهم وليس بالآلات التي يستخدمونها. وهو ينظر إلى المكتبات على
أنها هيئات اجتماعية وإنسانية. ويقول إن مدخلا بالفهرس معروض على
أنبوب أشعة الكاثود يكون بالضرورة هو نفس المدخل الذي أوصى به كتر
Charles
A. Cutter
وأن حقيقة إرسال هذا المدخل في ثوان عبر القارات إلى أنبوب أشعة
الكاثود لن يغير من شخصية فن المكتبات ولن يحوله إلى علم.
وحيث أن شيرا لا يناقش المعلومات، فرؤيته أو أمله في أن تستمر مهنة المكتبات في البقاء، تصبح غير عملية، لأنها تتعلق أكثر بعلم المكتبات عنها بعلم المعلومات. ويقول شيرا إن مصطلح علم المعلومات مشتق من نظرية شانون Shannon للمعلومات، وشهرتها على يدي Weaver. وينتقد شانون وويفر حيث أن الحظ خانهما عندما أطلقا مصطلح نظرية المعلومات information theory بدلا من تسميتها نظرية الإشارات theory of signals.
أما
Kochen
فهو يدخل في الموضوع مباشرة وينادي بأنه من غير المثمر أن ندخل في
جدال ونقاش حول متى يصبح حقل المعلومات غير علم المعرفة أو علم
النفس الحيوي، الخ. ويقول
"إن كل ما يهم هو أن الباحثين الذين يبحثون في علم المعلومات
يشكلون قضايا يمكن بحثها واستكشافها مما يؤدي إلى إيضاح طبيعة
وديناميكية المعلومات والمعرفة."
(31، ص. 371). وهو مثل شيرا، لا يوافق على النظرة الضيقة إلى
مهنة المكتبات وعلم المعلومات والتوثيق. بمعنى أن التركيز لا يجب
أن يكون فقط على السجلات المكتوبة والوثائق والعمليات الجسمانية.
فهو يتناول بالتعريف علم المعلومات بمفهوم أوسع من وجهة النظر
السيكولوجية. وهو يهتم بالمعلومات والمعرفة والفهم (المتضمنة في
الكيانات المادية)، من ناحية المعنى المقصود بها كما يتصورها العقل
الذي يستقبلها.
وفي 1977 لخص
Debons
الموقف في المؤتمر الثاني للمعلومات في كوبنهاجن
2nd IRFIS (Information Research for Information
Science) Conference in Copenhagen،
حيث اقترح أن يكون علم المعلوماتية هو العلم الأكبر
metascience
(32،
33).
وقد حملت بعض المقالات والكلمات التي ألقيت في المؤتمرات في تلك
الفترة عناوين تشير إلى أزمة في هوية هذا العلم، مثل:
Information science: discipline or disappearance
(34).
Information
science: search for identity (35).
Perspectives of
information science (36).
The fundamental
problem of information science (25).
Information: one
label, several bottles (37).
Towards a true
information science (38).
العناصر الأساسية الخمسة
انتهى الصراع للوصول إلى اتفاق جامع،
بعد أن
بدأت تتشكل قاعدة،
تم تعريفها جيدا،
لإجراء أبحاث في هذا الميدان
استخدمت فيها
التحليلات العلمية لفهم المعلومات.
وقد
جمع
Belkin
عام 1978 العناصر الخمسة الأساسية التي تشكل أساس دراسة علم
المعلومات
(39، ص. 58)، وهي:
1.
المعلومات
في أنظمة الاتصال الإدراكي عند الإنسان
وهذه العناصر الخمسة ذات أهمية، لا لشي إلا لأنها بصراحة ووضوح
تعتبر بؤرة الأبحاث الحاضرة والمستقبلة. ولأنها تبين الجوانب
العقلانية والاجتماعية والفردية والادراكية. وهي تشكل قاعدة صلبة
للمزيد من التطورات والتحديات في هذا المجال. ويمكن دراسة العناصر
الخمسة إما بشكل منفصل أو وفق تركيبات مختلفة، وهي تشكل في مجموعها
جوهر علم المعلومات.
العنصر الأول: المعلومات في أنظمة الاتصال الإدراكي عند الإنسان
هذا العنصر يتناول النقل الرسمي وغير الرسمي للبيانات في محيط
اجتماعي، مثل الاتصال العلمي أو تدفق المعلومات داخل المؤسسة أو في
مكتبة عامة أو في أي بيئة أخرى مشابهة. ودراسة ظاهرة المعلومات تقع
هنا، حيث أن هذا العنصر على علاقة وثيقة بالعنصر الخامس المتعلق
بالعلاقة بين المعلومات والمستخدم.
ومن أوائل من استخدموا وسائل المسح الاجتماعي في هذا المجال
D. Wapples
في الدراسة التي أجراها عام 1932 عن استخدام الكتب والمكتبات (41).
العنصر الثاني: المعلومات المرغوبة
هذا العنصر يركز على طبيعة المعلومات المطلوبة ويحاول فهم توليد
وتطوير الاحتياجات للمعلومات داخل المجتمع بين مجموعات محددة من
الناس أو بين الأفراد. كما يهتم بالغرض أو القصد من المعلومات
المطلوبة، هل هي مطلوبة لحل مشكلة، أو لسد حاجة ثقافية، أو لتوكيد
المعرفة، أو لأهداف إدراكية، أو لاهتمامات معينة. وقد قام
Mackey
(42)
ثم
تبعه
Taylor (43)
بتحليلات جادة في هذا المجال خلال الستينيات. وتنحصر نظرية
Taylor
في أنه إذا تواجدت حالة سيكلوجية معينة بعقل المستفيد، فإن تلك
الحالة قد تقوده إلى التعبير عن طلبه للمعلومات. هذه النظرية قادت
إلى العديد من الدراسات والتجارب العملية ذات الطبيعة التحليلية.
وبعد مقابلات مع العديد من أخصائيي المكتبات الجامعية، اقترح
Taylor
أربعة مستويات لتكوين السؤال، ثلاثة منها جوهرية والرابع يؤلف طلب
المعلومات من نظام الاسترجاع. ويقول إن تلك المستويات الأربعة
تتداخل مع بعضها على طول
نطاق السؤال ككم متصل غير مقطوع:
·
الحاجة العميقة للمعلومات
visceral
need:
الحاجة الفعلية غير المعبر عنها للمعلومات
·
الحاجة المدركة (من قبل المرء في نفسه)
conscious need:
وصف الحاجة داخل العقل
العنصر الثالث: فعالية نظم وانتقال المعلومات
هذا العنصر يدرس الطرق والتقنيات التي يمكن أن تحسن من تصميم وقياس
أداء المعلومات في نظم (استرجاع) المعلومات. زد على ذلك أن هذه
الناحية تهتم بتطوير النظريات والطرق الخاصة بإدارة عمليات نقل
المعلومات بين مولدي كيانات المعرفة والمستفيدين. وهذا العنصر على
علاقة بالعنصر الرابع الخاص بالعلاقة بين المعلومات ومنشئها. وقد
أشار
رانجاناثان
Ranganthan
إلى عناصر الإدارة في المكتبات وخدمات المعلومات في الثلاثينيات من
القرن العشرين حين نشر بحثه الشهير (44)
تحت عنوان "خمسة قوانين في علم المكتبات
Five laws of library science"، والتي تعد نواميس أو
مبادئ للممارسة الجيدة في هذا المجال، وهي تنص على أن:
·
لكل قارئ كتابه
العنصر الرابع: العلاقة بين المعلومات ومنشئها
هذا العنصر يعني بدارسة المعرفة المولدة وأشكال تحليلها وتمثيلها
في نظم المعلومات والتي تكون غالبا وليس حصرا، في شكل نصي. وهذا
يوحي بدراسة التأثير المتبادل بين بنية النظام وأهدافه. وهنا نرى
المناهج النظرية والتجريبية للتكشيف والتصنيف، بما فيها
الاستشهاد المرجعي
citation indexing، وكذلك النظريات والمناهج
المرتبطة بقياس وتوزيع انتاج برامج البحوث والتطوير
Research and Development (R&D).
ولقد جرت أولى محاولات التعامل مع مشكلات التنظيم والنمو والنشر للمعرفة المسجلة dissemination of recorded knowledge قبل الحرب العالمية الثانية حين نشر H. E. Bliss (45) دراساته في تنظيم المعرفة تمهيدا لتطوير نظامه: التصنيف الببليوجرافي bibliographic classification، والذي كتب مقدمته الفيلسوف John Dewey (وهو غير Melvil Louis Kossuth Dewey الذي وضع التصنيف المشهور باسمه Dewey Decimal Classification).
أما المجال الثاني للدراسات في التوثيق فقد بدأ بالدراسات الكمية
للإنتاج الببليوجرافي بين عامي 1925 و 1935. وكان
Bradford
هو أول من لفت الانتباه إلى التوزيعات الإحصائية القائمة على
القياسات
الببليوجرافية (الببليومتريقا
bibliometrics) (47)،
والتي أصبحت محورا للكثير من الدراسات منذ ذلك الوقت.
وتبين هذه الدراسات أنه في أي حقل موضوعي، هناك عدد محدود من
المقالات ينشر في عدد قليل جدا من الدوريات (الدوريات التي تعتبر
اللب في هذا الحقل الموضوعي) بينما ينشر الجزء المتبقي من المقالات
بشكل مبعثر في مصادر أخرى كثيرة. وقبل ذلك بفترة وجيزة
طبق
Lotka
وسائل إحصائية أخرى لقياس إنتاجية العلماء على شكل نسبة الإنتاج
المنشور بينهم (48).
كما انتج
Zipf
الطريقة الإحصائية لقياس تواتر الكلمات في النصوص العلمية. وما
توصل إليه هؤلاء الثلاثة أطلق عليه اسم قوانين،
(مثل
قانون برادفورد
Bradford's law) على الرغم من أن تلك الأعمال ليست
متميزة كقوانين الطبيعة مثلا. ويشكل قانون زيبف الأساس لجزء كبير
من أساليب الاسترجاع المبنية على الإحصاء التي تم تطويرها
واختبارها منذ الستينيات.
راجع:
Booth’s law,
Bradford’s law,
Brookes’ law,
Estroup’s law,
Leimkuhler’s law,
Lotka’s law,
Pareto’s law,
Price’s law,
Rousseau’s law,
Willis’ law,
Zipf’s law.
العنصر الخامس: العلاقة بين المعلومات والمستخدم
ويصب العنصر الخامس اهتمامه على البحث في المعلومات وعلاقتها
بالموضوع محل الاهتمام وعلى قيمتها من وجهة نظر المستفيد. كما يضم
كثيرا من أشكال تحليلات
الاستشهادت المرجعية citation analysis. وعلاقة المعلومات
بالموضوع واستخدامها وقيمتها كانت محل جدل كبير في علم المعلومات.
فقد جرى بحث منظم في هذا الموضوع في الستينيات، خاصة فيما يتعلق
بتجارب كرانفيلد الشهيرة
Cranfield
التي أجريت على أداء أساليب الفهرسة وأساليب استرجاع المعلومات (50).
وفي الواقع، فإن المستفيدين في الطرف النهائي من تلك الدراسات
المبدئية لم يشاركوا عادة لا في التجارب ولا في تقويم نتائجها.
وفيما عدا تجربة واسعة النطاق أجراها
لانكستر (51)، فقد كان الباحثون أنفسهم يقررون الأحكام
المتعلقة بتجربة البحث في المختبرات وفق ما يعرف بمقاييس المناسبة
المعكوسة
inverse
relevance measures،
أي نسبة "الاستدعاء
recall"
و "الدقة
precision"،
حيث يبين المصطلح الأول نسبة العناصر المسترجعة والمناسبة إلى
مجموع العناصر المناسبة في المجموعة كلها. أما الثاني فيدل على
نسبة العناصر المناسبة المسترجعة من مجموع العناصر المسترجعة ككل.
وهذا المنهح العقلاني القائم على دراسة نظم استرجاع المعلومات
والمعتمد في البحث المخبري عن مدى مناسبة الوثيقة - وليس على فائدة
المعلومات أو قيمتها، والبعيد عن بيئة المستفيد - لا يزال هو
المنهج المتبع أساسا (كما ينطبق على استرجاع المعلومات). ومع ذلك،
فقد وسعت الدراسات الحديثة، كتلك الدراسات التي أجراها
شامبر
Schamber et al (52)
أو
Saracevic and Su (53)
مجال ومفهوم مدى ارتباط المعلومات بالموضوع محل البحث وقيمة تلك
المعلومات عن طريق تضمين الحالة النفسية للمستفيدين النهائيين في
تلك الدراسة واستعمال اللغة في مقامات مستمدة من الحياة الواقعية.
علم المعلومات الحديث
وباعتبار علم المعلومات فرعا جديدا من العلوم، عليه أن يعالج ظاهرة
المعلومات والمسائل المتعلقة بالسلوك الفكري "المسؤول" عن البحث عن
المعلومات. وعليه أيضا أن يقدم إجابات علمية للمشاكل المطروحة في
هذا الميدان تقوم على مناهج بحثية وتكون إلى حد ما مميزة لهذا
العلم. كما يجب أن يكون هذا العلم متميزا أيضا عما سواه من العلوم
التي تعالج المعلومات وما شابهها من المفاهيم، مثل الادراك
والمعرفة. كما ينبغي أيضا أن يكون لهذا العلم جوهر وأن يبتعد عن
المسائل الجانبية التي ليس لها هدف إلا جعل هذا العلم علما
أكاديميا هامشيا.
ويذكر
Ingwersen (40)
أن لب علم المعلومات يتألف من المجالات
domains
التالية:
-
تقصي المعلومات
Information seeking
وهي كما وردت في:
Faculty of Social
Sciences,
تنحصر في أن "علم المكتبات والمعلومات يعنى بإيصال المعلومات
المسجلة
recorded
information
بين مولدي المعلومات
human
generators
[أي كل من يساهم في خلق المعلومات] والمستفيدين من المعلومات. وهو
يهدف الى وضع تصور وفهم للبيئة المعلوماتية، والحاجة الى المعلومات
بواسطة الأفراد والجماعات، كما يهدف إلى تنظيم موارد المعلومات
لتيسير الوصول إلى، والحصول على المعلومات المرغوبة. أما نظم تنظيم
المعلومات، فهي تتضمن على سبيل المثال لا الحصر، المكتبات وخدمات
المعلومات وقواعد البيانات". ويوضح هذا التصور تفهما متطورا
للعنصر البشري المهم الضالع في المجالات المذكورة كما يشير إلى ذلك
Saracevic (54)
و
Meadows (55).
وإذا نظرنا إلى الشكل 2، نجد أن إدخال
الجوانب البشرية يتم بدراسة العنصرين الأول والخامس في جميع
المجالات
domains.
وكمثال على ذلك، العمل الذي نشره
Buckland (56)
عن المعلومات ونظم المعلومات الذي ركز فيه على العنصر الأول
والثاني والثالث والخامس، وذلك بالإضافة إلى دراسة ظاهرة
المعلومات.
وبالمقابل، فبإلغاء عنصري الدراسة الأول والخامس من المصفوفة، فإن
التركيبات المتبقية من العناصر (وهي الممثلة بالنقط السوداء) تبين
التقليد القديم المحدود المبني على النظم ضمن كل مجال من المجالات.
وهذا الموقف البحثي يشكله العنصران الثالث والرابع. وفقط في مجالي
استرجاع المعلومات والتقصي عنها، نرى أن للعنصر الثاني أثرا إضافيا
على البحث من خلال إشراك طبيعة الحاجة البشرية للمعلومات وسببيتها
الكامنة في بناء النظرية. وعلى ضوء هذا التخطيط (الشكل 2) وكذلك
على ضوء طبيعة الأعمال الرائدة التي أنجزت حتى الآن، يبدو بجلاء أن
العنصر الرابع على الأخص، يشكل تاريخيا جوهر علم المعلومات بالنسبة
للعلاقة بين المنشئ للمعلومات والمعلومات ذاتها.
والفكرة الجوهرية هنا، هي المعلومات المرغوبة. فنحن نتكلم بصراحة
ووضوح عن الرغبة الهادفة بالحصول على المعلومات بواسطة فرد أو
مجموعات من الأفراد في بيئات متنوعة. وهذا يشكل عنصرا فريدا في علم
المعلومات، حيث يؤكد على نوعية التفاعل بين مولدي المعلومات ونظم
المعلومات ومستخدمي المعلومات فيما يتعلق بالمعلومات المسجلة.
وبدون هذه الأفكار المحددة للرغبة في المعلومات وتخزينها، لشمل علم
المعلومات مجالات مثل التواصل
communication
عامة، بما فيها جميع نشاطات التواصل البشري، والإعلام ومعظم العلوم
المعرفية. ونتيجة لذلك، فإن علم المعلومات يقتصر على دراسة ظواهر
محددة من التواصل، وهي تلك الظواهر المعنية بالمعلومات التي تقدمها
المصادر المسجلة من أجل ارضاء العواطف والاهتمامات والمعرفة
الشخصية. ولعلنا نرى في المستقبل تعاونا أوثق بين علم المعلومات
والعلوم الفكرية والإعلام والشبكات. ومن هنا، يقترح المفهوم أن
نركز اهتمامنا على النوايا والمقاصد
intentionality
من تقصي المعلومات، وعلى كل عمليات تقديم المعلومات المرغوبة الى
الأفراد بصورة نوعية (وهو ما يتعلق بتصميم نظم استرجاع المعلومات)،
وعمليات استعمال وتوسيع عمليات توليد المعلومات (وهو ما يتعلق
بقياسات
informetrics
وإدارة المعلومات).
المجالات العلمية الأساسية لعلم المعلومات
ان
المجالات الخمسة الأساسية التي تؤلف فيما بينها الهيكل العلمي لعلم
المعلومات تخضع دائما لعملية إعادة تشكيل من خلال إدخال الأبعاد
البشرية
human
dimensions
لنقل المعلومات على نحو أوضح. وبصورة أساسية، فتلك العملية تنطوي
على حركة تتجاوز النظام والمنهج القائم الذي يعتمد أساسا على تقنية
المعلومات
information technology (IT)
التي تميز هذا العلم عادة. وقد جمع
Ingwersen
تلك المجالات الخمسة (40،
ص. 202)، والتي استقاها من
بلكين (39).
فالاتجاهات الحالية نحو التأكيد على دور العنصر البشري في دراسة
المعلومات ترجع إلى التطورات الحادثة في تقنية المعلومات. فقد زادت
سهولة دعم المستفيد تقنيا، ولكن في نفس الوقت زاد تعقيد تنظيم
وإدارة هذا الدعم. ومن الواضح، فقد حتمت عملية التشكيل داخل
الإطارالبشري الخوض في أبحاث جديدة بالطبع في المجالات
domains
التالية:
1.
قياسات المعلومات أي الإنفورمتريقا
informetrics
وللفهم الدقيق للتشكيل الجاري من عمليات تجريبية قائمة على النظم
وبناء النظريات، إلى بناء هيكل حديث لهذا العلم وملاحظة تأثير ذلك
كله على البحوث في المستقبل، علينا أن نربط تلك المجالات
domains
الخمسة بالعناصر الخمسة التي ذكرناها آنفا، والتي تعتبر الدراسات
الأساسية لعلم المعلومات.
1. قياسات المعلومات
أو الإنفورمتريقا
Informetrics
(وهي غير المعلوماتية
informatics)
ان إحلال القياسات الببليومترية والعلمية (الببليومتريقا والسيانتومتريقا
bibliometrics
and scientometrics
) بمفهوم قياسات المعلومات (الإنفورمتريقا
informetrics)،
كما عرّفه
Tague-Sutcliffe (59)
، يوسع عمدا رقعة هذا المجال البحثي في "المعلومات" بمفهومه
الواسع، الذي لا يقتصر على مجرد الاتصال العلمي ونقل المعرفة (التي
هي جزء محدود من عمليات نقل المعلومات).
أما
قياسات النشاط العلمي
scientometrics
فهي مجال فرعي يقوم على دراسة تطور الانتاج العلمي وتطور العلوم
على المستويات القومية أو على مستوى الحقل العلمي. وأول عمل رائد
في هذا المجال كان العمل الذي قام به
Derek De Solla Price (61).
وتستخدم في مثل هذه الدراسات أساليب
القياسات الببليوجرافية
bibliometrics
مثل وسائل
المصاحبة الببليوجرافية
cocitation، والمزاوجة الببليوجرافية
bibliographic coupling،
وتحليلات عناقيد الاستشهادات المرجعية
citation
cluster analysis
(انظر المقالة التي كتبها عبد الرحمن أحمد عبد الهادي فراج عن
المصاحبة الببليوجرافية (الوراقية) (133)). وهذا يعتمد على افتراض
أن هناك أسبابا معرفية منفردة تجعل المؤلفين العلميين يستشهد بعضهم
ببعض - ولذلك فان الاستشهادات المرجعية تعكس التركيزات الاجتماعية
والمعرفية الخاصة بذلك المجال بالذات. ومن هنا يمكن للمرء أن يحلل
أثر الاتصال الرسمي وغير الرسمي
formal
and informal communication
بين العلماء. وكما أوضح
Cronin،
فإن القياسات في الدراسات الببليومترية وحدها لا تقدم صورة سليمة
لهذه النماذج الاجتماعية والمعرفية (62).
فبدون توفر معلومات نوعية اضافية لن تقدم تلك التحليلات سوي مؤشرات
دلالية. ومفهوم أن تحليل الاستشهادات المرجعية يتضمن تحليل السياق
المحيط بالاستشهادات المرجعية من أجل تقصي الدلائل التي تعرف اتجاه
وتأثير
impact
تلك الاستشهادات. فاتجاه الاستشهاد المرجعي يتضمن تلميحا بالتحليل
للأسباب الكامنة وراء استعمال الاستشهادات المرجعية، فهي قد تشير
مثلا، إلى وجود خلاف أو اتفاق على قضايا بحثية معينة. كما أن تأثير
الاستشهاد المرجعي يدل على عدد المرات التي يذكر فيها المرجع ذاته
في النص. وحاليا، فإن مثل هذه التحاليل النصية غير موجودة في قواعد
الاستشهادات المرجعية التابعة لمعهد المعلومات العلمية
ISI.
وكذلك فإن المؤلف الثاني والمؤلف الثالث للمقالات المستشهدة لا
يمكن اقتفاء آثارهما. وإن توافر النص الإلكتروني الكامل قد يجعل
مثل هذا البحث ممكنا، حيث يمكن أن تلعب الكيانات النصية أدوارا
مهمة في هذا المجال. فمثلا قد تصبح الكيانات الدلالية
semantic
entities،
مثل قسم فرعي من مقالة بإحدى الدوريات، أو فصل في كتاب، محل دراسات
في المستقبل. فقبل كل شي، نرى أن المعلومات موجودة في الوحدات
الصغيرة من النص المحبوك. وبهذا تصبح قياسات المعلومات أوثق صلة
بميادين تقصي المعلومات واسترجاعها.
وبالإضافة إلى ما تقدم، نرى أن أساليب قياسات المعلومات قد تصبح
أدوات مهمة في إدارة المعلومات. وفي هذا الشكل الجديد، نجد أن
قياسات المعلومات يمكن أن تتحول إلى أدوات قيمة تستعمل في ملاحظة
سياسة المعلومات في المجتمع وتعديلها. ويمكن بالتالي تبديل رمز
الدائرة المتقطعة
(الشكل 2) برمز النجمة.
وعلى الخط الفاصل بين قياسات المعلومات وتقصي
المعلومات
information seeking،
نرى الدراسات التي تتعلق بنشر المعلومات في المجتمع. فعلى سبيل
المثال طبق
Lancaster
and Lee
أساليب القياسات الببليوجرافية بهدف تتبع أنماط احتمالية لنشر
المعلومات
(63).
وقد أطلقا على هذا النوع من التحليل مصطلح
"معالجة القضايا
issues
management".
وكان هدفهما من البحث تتبع انتشار مفهوم الأمطار الحمضية على مر
الزمن، في إطار الميادين العلمية وفي مصادر المعلومات العامة
الأخرى. وتعتمد هذه الدراسات على النمط العام المعروف في نقل
المعرفة (العلمية) "من أعلى لأسفل
top-down
pattern"
، يعني من نوع من الوثائق لنوع آخر. فمثلا، قد ينشر تحقيق للبحث
والتطوير
R&D
في
شكل تقرير و/أو ورقة بحث في مؤتمر ثم ينشر بعد ذلك في دورية علمية،
ثم في نهاية المطاف ينشر في شكل كتاب دراسي مقرر. وربما يحدث هذا
وفق معايير البحث الأساسي والتطبيقي. وهناك بعض القضايا التي قد
تتناولها المجلات العلمية الشائعة والصحف أو التلفزيون على الفور
خارج الأنماط التقليدية المتبعة في التواصل العلمي
scientific communication.
ويحدث هذا في الموضوعات "الحامية
hot"،
أي المثيرة للجدل، كما في مسألة "الاندماج النووي البارد
cold
fussion"
التي كانت مثار جدال عام 1987، أو قضية "ثقب الأوزون
ozone
gap"
في 1992." وفي الوقت الحاضر، نرى أن الموضوعات المتعلقة بالبيئة
سرعان ما تدخل في التشريعات القانونية للدول، وتثير جدلا سياسيا،
وتوضع السياسات لتنظيمها مما يؤدي إلى حدوث أنماط لنشر المعلومات
من أسفل إلى أعلى أو في شكل أفقي. ومن جميع تلك المستويات، قد ينشأ
انتشار في اتجاهات جديدة مع مرور الزمن، حيث تخلق شبكات متغيرة من
استخدام المعلومات. وجميع أنواع الوثائق المذكورة يمكن تتبعها من
خلال قواعد البيانات العامة، وليس من خلال نظم الاستشهادات
المرجعية.
يعتبر بعض علماء المعلومات أن سلوك تقصي المعلومات هو ميدان أساسي، حيث يتألف هذا السلوك عادة من عناصر التواصل، وبالأخص بين أولئك الذين يرغبون في المعلومات ويستخدمونها. كما يعتبر مجالا ملائما جدا لدراسات استعمال المكتبة (64). ولأكثر من نصف قرن كانت هذه البحوث تجرى بدءا من Wapples (41) حتى وصلت الى ذروتها في السبعينيات. وبالتعبير الحديث، فإن البحث في تقصي المعلومات يري على أنه متطلب سابق لتصميم نظم استرجاع المعلومات وإدارة المعلومات فيما يتعلق بالبيئات الاحترافية والعلمية. ونرى في الشكل 2 كيف تبدأ العناصر الثلاثة من عناصر تقصي المعلومات في التغلغل في تلك الميادين. ومن الممكن البحث في هذه العناصر من وجهات نظر فردية ومعرفية، كما فعل Kuthlthau (65)، أو من وجهة نظر سلوكية اجتماعية (جماعية) يمكنها أن تحدد الشكل الكامل للنظم أو خدمات المعلومات القائمة على ذلك الميدان، كما فعل Ingwersen (9) و Elliis (66).
وتتزايد الدراسات التي تجرى بهدف البحث في سلوك تقصي المعلومات لدى
مجموعات مختلفة من الأفراد المهنيين الذين يؤدون أعمالا معينة أو
العلماء في ميادين مكرسة لعلم من العلوم. ففي جو المكتبة (العامة)
نرى أن تقصي المعلومات سيشمل العناصر الاجتماعية والثقافية
والعاطفية من سلوك المعلومات ونقلها، مثل تأثير البنيات الاجتماعية
أو المعرفية على عادات القراءة وعمليات التعلم وبالتالي على
استعمال المكتبة
(67)
(68). وهنا نرى أن تقصي المعلومات يندمج بوصفه مكونا حيويا
للتفاعل مع استرجاع المعلومات.
3. التفاعل في استرجاع
المعلومات
IR
Interaction
(ا) مصادر المعلومات ممثلة في هيئة وحدات دلالية
sematic
entities
من نصوص كاملة وصور، وتمثيلاتها،
(2) إعدادات نظم استرجاع المعلومات
IR
systems settings
ممثلة في بنى قواعد البيانات، ومعايير المدخلات، وأساليب
الاسترجاع، وقواعد تمثيل البيانات (9
ص. 55-56).
ا) القصور في إحراز أي تقدم في المنهج التقليدي منذ السبعينيات.
ولفهم الوسائط البينية تصميما ووظيفة مثلا، نرى أن بناء نمط
المستفيد، والاستفسار، والاحتواء على المعلومات، والاستعمال
المناسب لأساليب الاسترجاع،
وإدخال القصد من عملية الاسترجاع هي أمور حيوية في هذا المجال.
وهكذا أصبحت الرغبة في الحصول على المعلومات (العنصر الثاني) خلال
السبعينيات مكونا ضروريا لاسترجاع المعلومات وربطها بدراسات تقصي
المعلومات.
ونلاحظ حاليا وجود مدارس في البحث في استرجاع المعلومات، اثنتان
منها تتبع الموقف الخاضع للوثيقة والنظام وتركزان على العنصرين
(الثالث: فعالية النظم، والرابع: العلاقة بين المعلومات ومنشئها)
بينما نرى أن الثالثة ذات صبغة نفسية وتتمحور حول المستفيد وترتبط
بتقصي المعلومات، وتركز أساسا على العنصرين (الثاني: المعلومات
المرغوبة، والخامس: العلاقة بين المعلومات والمستخدم)، وجزئيا على
(الثالث: فعالية النظم، والرابع: العلاقة بين المعلومات ومنشئها).
وتعرف المدرسة الأخيرة خطأ أحيانا بالمدرسة المعرفية
cognitive،
مع أن هذا المنهج باعتباره كنظرية، لا يوجد إلا بشكل غير ناضج
(70).
أ) المدرسة الأولى القائمة على النظام
تتميز المدرسة التقليدية الأولى في استرجاع المعلومات باتباعها
منهجا إحصائيا في بناء نظرياتها. فهى تركز على تمثيلات الوثيقة أو
النص وعلى قياسات أداء وتطوير أسلوب استرجاع المعلومات. وتتشكل
الفرضية الأساسية لهذه المدرسة في أن تواتر الكلمات في النصوص
الأصلية المكتوبة باللغة الطبيعية يمكن استخدامه للإشارة إلى
الكلمات التي تمثل الوثيقة على أفضل وجه بهدف الاسترجاع، إذ أن
هناك كلمات في النص تكون أفضل من غيرها في التمييز بين النصوص.
وهكذا يصبح بالإمكان تصنيف النصوص تبعا لمبدأ الارتباط بموضوع
البحث والتشابه. ولقد قام سالتون بأول بحث في هذا الاتجاه معتمدا
على قياسات التشابه بين النصوص والاستفسار ومستخدما ما يعرف
بأنموذج الاتجاه والفراغ
vector-space model
(صيغة جيب التمام
cosine).
فقد اعتبر الوثائق والاستفسارات اتجاهات
vectors
في فراغ
space
ذي أبعاد
N
حيث يتوافق كل بعد مع مصطلح كشفي. وعموما فعدد مصطلحات الاستفسارات
يحدد تلك الأبعاد (71-72).
كما طبق روبرتسون مقاييس الاحتمالات في هذا المجال (73).
وكذلك يمكن تطبيق مقاييس مماثلة على تحليل الاستشهادات المرجعية
citation analysis
والمزاوجة الببليوجرافية
bibliographic coupling.
وقد تم تطوير أسلوب ثالث رئيسي وهو أسلوب تجميع الوثائق في عناقيد
document-clustring
حيث يمكن تطبيق التجميع على الاستشهادات المرجعية وليس فقط على
المصطلحات في النصوص
(74-75).
ب) المدرسة الثانية القائمة على الوثيقة
هذه المدرسة مبنية على اعتبارات لغوية (76-78)،
وهي تضم باحثين لغويين متخصصين في اللغويات الحاسبية، مثل:
Sparck Jones, Smeaton, and van Rijsbergen.
ومن الممكن النظر إلى هذه المدرسة على أنها تناقض المدرسة السابقة
في محاولتها تطبيق أساليب تحليل النص لغويا من الزوايا الصرفية
والنحوية والدلالية فيما يتعلق بالنص ومحتويات الاستفسار. وفي هذا
البحث يصنع المرء كشافات مرتبطة بالمجال لكي يبرز المفردات التي
يجب البحث فيها. ونقترب هنا من توفير مصطلحات الكشافات بصورة آلية
دون أي تفسير للموضوع.
وتجري تجارب كثيرة بهدف استكشاف ما إذا كان أحد أساليب المطابقة
الجزئية هذه أو جميعها يمكن استعمالها في النظم الضخمة ذات النصوص
الكاملة. وتسمى هذه التجارب تريك وتبستر
TREC and
TIPSTER
(80-81).
ج) المدرسة الثالثة الموجهة للمستفيد
هذه النظم مبنية جميعا على أساليب التكشيف والاستخلاص وعلى أساليب
المطابقة التامة (طبقا للمنطق البوليني
Boolean logic).
وتشترط هذه الأساليب أن تكون الوثائق المسترجعة مطابقة تماما
لعبارات الاستفسار وتركيبها البوليني، ولا يمكن تصنيفها حسب
المرتبة تبعا لتناقص التشابه والوزن
similarity and weights
كما في أسلوب المطابقة الأفضل.
وفي جميع هذه الدراسات، يلعب العنصر الخامس المتعلق بالعلاقة بين
المستفيد والمعلومات دورا حيويا، حيث تتركز هذه الدراسات على أفضل
المحاولات لمطابقة الرغبة في المعلومات مع قيم المعلومات
المسترجعة.
4. إدارة المعلومات
Information Management
وفعالية المعلومات
effectiveness
وانتقالها هي المحور الذي تتركز حوله إدارة المعلومات. وغالبا ما
تستعمل عبارة إدارة المعلومات على أنها مرادفة لعبارة قواعد
البيانات وإدارة السجلات، أو معالجة النظم. ونظرا للأوجه
الاقتصادية والتنظيمية في فكرة إدارة المعلومات فهي تتضمن قنوات
رسمية وغير رسمية، كما تدخلها عمليات نقل معلومات من مختلف الأنواع
حيث تكون هذه العمليات كامنة في أنواع متعددة من نظم المعلومات
المتداخلة فيما بينها. وهنا نرى أن مواد نصية ورقمية وغير نصية
تتحد في معماريات معقدة من الأوعية المتعددة، وينبغي أن تعالج بطرق
هادفة في سياقات انتظامية. أما الروابط مع تقصي المعلومات ومع
التفاعل أثناء استرجاع المعلومات فهي تتضاعف حاليا
لا سيما من خلال عنصر القصد من الرغبة في الحصول على المعلومات، في
شكل مهام، أو إرضاء للنزعات أو الميول، أو لحل مشاكل معينة. أما
القرارات بشأن استراتيجيات الإدارة فيما يتعلق بنظم ومصادر
المعلومات فسوف تتخذ على أساس تحليل نتائج تقصي المعلومات
واستعمالها في بيئات متخصصة. ومثل هذه التحقيقات توحي بتحليل
المجالات ومهام العمل البشرية، والأهداف والتفضيلات وكل أنواع
السلوك التواصلي البشري المقابلة. كما أن الأوجه الاقتصادية
والنوعية والاستراتيجية المتعلقة بالاستخدام وقيمة المعلومات
فستصبح أكثر تأكيدا. ويمكننا أن نلاحظ على سبيل المثال التحديات
الكبيرة لإدارة المعلومات في منهج هورتون
Horton
عند معالجتة لمصادر المعلومات وفي اقتراحات مارشاند
Marchand،
وعلماء آخرين بادخال معايير جديدة لتقويم النوعية
(94-95). ونتيجة لهذا فان إدارة المعلومات ستزيد من تجاوزها
ومواجهتها للخصائص الفردية والاجتماعية لاسترجاع المعلومات ومجالات
تصميم النظم.
5. تصميم النظم
Systems
Design
يعتبر تصميم نظم استرجاع المعلومات عادة الميدان التطبيقي في علم
المعلومات. وكان هذا الميدان يعتمد عادة على النتائج الحاصلة من
العناصر الجوهرية لاسترجاع المعلومات، ألا وهي العنصران الرئيسيان:
الثالث (فعالية نظم وانتقال المعلومات) والرابع (العلاقة بين
المعلومات ومنشئها). أما المناهج المطبقة فكانت عبارة عن اختلافات
حول ما يسمى بأنموذج التصميم المتتابع الذي يشمل طريقة الخطوة
بخطوة من أعلى لأسفل
(96).
ويتبع مرحلة تحليل النظم تقويم النظم الذي يعتمد على تحليل التكلفة والربح، وتسبقه خطوة التصميم العام للنظام. كما تشمل المراحل اللاحقة تصميما مفصلا واختبارا للنظام. وفي السنوات الأخيرة، أصبح تصميم النظم مبنيا على طرق التحليل المعتمدة على الإنسان، والمرتبطة على وجه الخصوص بعملية جمع المعلومات لمرحلة تحليل النظم والمهام كالتي بحثها راسموسن Rasmussen وبيجترسن Pejtersen (97)، أو كمنهج التصميم متعدد الرؤية، الذي أوضحه وود هاربر وغيره (98) Wood Harper et. al
وتؤكد هذه المناهج أن تحاليل مهام المستفيد المعرفية المرتبطة
بالعمل أو بحل المشكلات هي العامل الذي يحدد التصميم الناجح
للنظام. وبعبارة أخرى فإن العنصر الأساسي الخامس المرتبط بالعلاقة
بين المستفيد والمعلومات يصبح حيويا ويجب أن يشمل
تصميم الواجهة البينية
interface
وبنية النظام. وبالمثل، فإن طرق تنظيم أو
معالجة الموضوعات التي
يحويها
النظام يجب أن تعكس سلوك المعلومات العام والتفضيلات لدى مختلف
جماعات المستفيدين
المهتمين بالمجال
ذاته. وثمة مشكلة أخرى تعترض تصميم النظم التي تحتوي على بيانات
لاهيكلية
unstructured data
مثل النصوص والصور، ألا وهي مشكلة الغموض فيما
يختص بمدى تحديد الحاجة إلى المعلومات. وفيما يتعلق بتصميم نظم
المعلومات الاستراتيجية التي يقصد تطبيقها على المعالجة
الاستراتيجية واتخاذ القرارات فإن الرغبة في المعلومات واستعمالها
هي أشياء لا يمكن التنبؤ بها ولا يمكن تتبعها بسهولة من خلال طرق
المسح القياسية. وأثناء عملية التصميم، فقد تتمخض عن النماذج
الأولية أنماط معقولة يمكن استخدامها
في التصميم المطور للنظام.
وخلافا لكمب وميهو اللذين كتبا عن عناصر التصميم، فإن ويليتس يصف
بناء قواعد البيانات الهيكلية
structured
وقواعد البيانات اللاهيكلية
unstructured،
بمعنى أنه يقارن بنى الملفات المعكوسة
inverted
والعلاقية
relational،
أو التي تكون موجهة إلى الكائنات
object-oriented file structures.
الاختلافات المعرفية ومفاهيم المعلومات
إذا نظرنا إلى المجالات الخمسة في
الشكل 2، نجد أن بناء النظرية قد توسع على مر السنين. كما
نلاحظ أن النظريات الجديدة لم تحل في الواقع محل النظريات القديمة،
بل أعيد صياغة بعض تلك النظريات القديمة. ولكن الجديد في ذلك كله
هو ظهور جوانب جديدة للنظرية ومنظورها، كتلك الجوانب المتعلقة
بالأبعاد الاجتماعية والإنسانية، وهذا يكمل ما كان موجودا من قبل،
ولا يحل محله.
ومن ناحية أخرى، فقد
أدى ذلك
إلى إدخال عشوائي لنظريات وتطبيقات جديدة. والقضية في المجالات
الخمسة وكذلك في علم المعلومات تتركز حول تقديم مناهج نظرية أكثر
عالمية إلى العديد من النظم والموضوعات المرتبطة بالإنسان لتدرس في
ذلك الحقل. وهنا نلاحظ أن المجالات العلمية الخمسة في علم
المعلومات وعناصرها الخمسة الهامة تراعي الرغبة في الحصول على
المعلومات واستعمالها سواء كانت جماعية أو دلالية أو براجماتية أو
فردية. وتتشكل الروابط بين المجالات الأساسية من عوامل مرتبطة
بالنظام، وعوامل اقتصادية واجتماعية وتنظيمية وكذلك من الخصائص
المقترنة بمعرفة المستفيد وكذلك الخصائص المقترنة بالاستفادة.
1.
الموقف العقلاني
rationalistic position
وباتباع هذا المذهب، يفترض أن تحتوي الكلمات والوثائق، شأنها شأن
نظم المعلومات، على "معلومات حقيقية"، وهذه المعلومات تحمل معنى.
فالفرضيات المبسطة الكامنة وراء تطور واختبارات أنواع عديدة من
المناهج القائمة على الإحصاءات في استرجاع المعلومات والقياسات
الببليوجرافية، تتألف أساسا من القضية التي تقول: إنه إذا استرجع
نص يتطابق
تماما مع
استفسار، فإن هذ النص يعطي آليا المعلومات الممثلة بعبارات
الاستفسار ، كما يفترض مسبقا أن احتياجات المعلومات ثابتة. وكذلك
فإن هذه القضية قد تكون محدودة جدا في مجالها بسبب قيود الغموض
والزمن حيث أن ما يفهم اليوم من النص قد يؤول تأويلا مختلفا في
المستقبل، وكذلك بسبب الغموض في النصوص فقد يختلف مفهوم أحد النصوص
من مستفيد لآخر.
على أية حال، فإن عنصر المعنى - وهو موجود في بناء نظرية المكانز والتصنيف
الوجهي - هو بالضبط ما يمنع الباحث في علم المعلومات من تطبيق
حرفي لنظرية المعلومات الرياضية التي وضعها شانون وويفر
Shannon
and Weaver
والتي كانت في الأصل مهتمة بالكائنات الرمزية في شكل إشارات لا
ترتبط بالمعنى
(7) (102)؛
والتحول نحو موقع إدراكي أو نحو الذكاء الاصطناعي
artificial intelligence.
فخلال فترة أزمة الهوية، جرت عدة محاولات لتطبيق نظرية المعلومات
كجزء من الأساس العقلاني لعلم المعلومات، كما في
Artandi
(19) و
Lynch
(103). فلو كان من الضروري تطبيق تلك النظرية، لنظرنا إلى
النصوص على أنها مكونة من منظومات مؤلفة من إشارات أو رموز يمكنها
أو لا يمكنها أن تنتقل عبر قناة بين مولدي المعلومات والمتلقين
لها، وهذا يعني المعلومات، بالمعنى المجازي فقط. وعلى هذا المستوى،
فمفهوم الحيثية أو وثاقة الصلة بالموضوع، إما أن يفقد مدلوله أو
يفقد معناه.
وعلى الرغم من أن علم المعلومات لايزال متمسكا إلى حد بعيد
بالتقاليد العقلانية، وبالتالي بالتقاليد المبنية على النظام
والمحتويات، إلا أن التطورات في العقود الماضية تبين بصورة جلية
نواحي قصورها العلمي، الأمر الذي أدى إلى النظر إلى نقل المعلومات
على أنه نظام مفتوح يتضمن السلوك المعلوماتي الإنساني المبني على
رؤى معرفية مرتبطة بالانسان. فكل رؤية تؤثر في فهم الحقل، كما تؤثر
في بؤرة اهتمامه، وفي افتراضاته الأساسية. وكل موقف علمي ينظر إلى
المفاهيم الأساسية، مثل المعلومات والحيثية وأثر الاستشهاد المرجعي
وتمثيل المعلومات ووثاقة الصلة بالموضوع بطرق متباينة. ومعظم
البحوث في هذا المجال لا تتمسك بأي نظرة معرفية كامنة على الاطلاق،
ولكن يمكن أن توصف بأنها مرتبطة بالتجربة أو بأنها براجماتية.
وبينما تركز المناهج العقلانية على المستوى اللغوي للتواصل، أي على
النصوص والإشارات وعلى معالجة هذه الموضوعات، فإن المواقف العلمية
المرتبطة بالانسان على اختلافها تعالج التواصل على المستوى
المعرفي. ففكرة الحالة المعرفية تدل على الحالة المعرفية والعاطفية
وقت تلقي الفرد للرسائل. وهي تضم فراغ أو حيز المشكلة التي تدل على
حالة المشكلة في اتخاذ القرار أو أي اهتمام آخر للفرد. كما أن حالة
اللبس والغموض تدل على افتقار من يستقبِل المعلومات وقت استقبالها،
ومن هنا كانت رغبته في الحصول على المعلومات. وأثناء التواصل، قد
يغير المتواصلون (الناس ونظم المعلومات ذاتها) مواقعهم بطريقة
ديناميكية من كونهم مولدين للمعلومات إلى مستقبلين لها. فالخطوات
المعرفية (والعاطفية) الحالية في اتخاذ القرار أو تحقيق الأهداف
تكون معرفّة بواسطة النشاط التواصلي الفعلي والخبرات الاجتماعية
والتفاعلات السابقة عند الفرد.
وعلى النقيض من العقلانية، فالنظرة المعرفية
cognitive viewpoint
بشكل عام تفهم المعلومات على أنها ملحق ضروري للمعرفة من أجل تغيير
وتعديل حالات المعرفة. وفي الوقت الذي نرى فيه أن مفهوم المعرفية
يشكل منهجا راديكاليا تجاه العلاقة بين العقل والآلة
(110)، فإنه متأصل في التقاليد العقلانية، ويرى العقل البشري
على أنه البرمجيات
software
المبنية في "عقل" الآلة
(111).
إلا أن النظرة المعرفية تعتبر تقنية الحاسب على أنها محاكاة مصغرة
ومحفزة للنشاطات العقلية الواعية أو اللاواعية من الزاوية النفسية.
ومن هنا نرى أن النظرة المعرفية تشمل عناصر النظم والأفراد معا
خلال إدارة المعلومات، والتفاعل معها، ونقلها. ومن هذا المنطلق نرى
أن الآلة محدودة بالعمل على مستوى البنية السطحية (اللغوية) وغير
قادرة على إنتاج توقعات، أومعان، أو افتراضات مسبقة تولدها بنفسها،
أي أنها غير قادرة على إنتاج "حالات المعرفة" من تلقاء ذاتها،
وبالتالي فإن الحاسب لا يمكنه أن يبرمج نفسه ولا أن ينسخ السلوك
الإنساني المعرفي أو العاطفي.
وعموما فنظام استرجاع المعلومات يتألف من تراكيب معرفية (مثل
تراكيب قواعد البيانات والملفات وأساليب التكشيف والاسترجاع) تمثل
تصورات مصمم النظام عن كيفية معالجة النظام للموضوعات. وتحتوي
موضوعات النظام مثلا على تفسيرات لمحتويات النصوص أو الصور من خلال
التكشيف، أي أنها تحتوي على البنى التمثيلية
representative structures
التي تمثل المعلومات الأصلية، أو قد تحتوي على النصوص أوالصور
ذاتها. وتولد هذه التمثيلات من خلال تطبيق القواعد المناسبة أو
الخوارزميات
algorithms
عند إعداد النظام. وتدمج حالات أخرى من المعرفة في الوسيط
(الآليات)، مثلا من خلال التدريب أو التطبيق المباشر. وفي بنية
هيكل الوسيط، تراعى البنى المعرفية والعاطفية للمستفيد، بالاضافة
إلى أهدافه ورغبته في الحصول على المعلومات نتيجة لإثارة تفاعله مع
المعلومات (9،
ص. 203-222). وحتى هذه المرحلة من بدء التفاعل مع النظام فإن
الحالة العقلية للمستفيد [أي التراكيب المعرفية والعاطفية الواعية
وغير الواعية عند المستفيد] تخضع باستمرار لتأثير النظام الاجتماعي
الذي يعيش فيه والذي قد يتسم بتقاليد اجتماعية وتفضيلات وتراكيب
جماعية تتمسك بمجالات محددة. وبدءا من هذه النقطة، يصبح
السياق الاجتماعي فعالا، ولكن من منظور تاريخي وحسب. أما عملية
التفاعل السائدة فهي التي تؤدي إلى عمليات التحويل في الحالات
الفكرية لدى الفرد. والنماذج المحددة الكامنة في كل متغير تشكل
جزءا من التفاعل وتحدد توقعات ذلك المتغير أو المشارك الفرد. فقد
لا يرغب المستفيد مثلا، في الاتصال بخدمة معينة أو بشخص معين
لخبرات سابقة (قد تكون عاطفية) حولت أنموذج المستفيد عن تلك الخدمة
أو الشخص.
وباختصار، فإن النظرة المعرفية تتبنى أسلوبا معرفيا ديناميكيا
عميقا لإدارة المعلومات، ينتج في الحالات المثالية تغييرات مستمرة
في النماذج وفي حالة المعرفة الحالية لكل جهاز. ويفترض أن أي عرض
للحالة العقلية الحالية لدى الفرد يجب أن يقترن بحالته المعرفية،
أي ما يعرفه وما يتوقعه وما يشعر به وما يهدف إليه في لحظة اتخاذ
القرار، ولكن موضوعه يبقى ضمن خبراته السابقة. وبالنسبة إلى
المستقبل، فهذا يعني أن هناك على الأقل بعض عناصر الرسالة
المتبادلة يجب أن تدرك ويتم التعرف عليها أو أن تكون هناك فكرة
مقترنة لكي تسمح للرسالة بأن تغير حالة الراهنة للمعرفة إلى حالة
جديدة. إلا أن هذا التعرف الفردي أو الاقتران لا ينبغي أن يتبع
الأعراف الدلالية أو التفضيلات، التي ربما تكون غير مقصودة بتاتا
من جانب مولد الرسالة. كما قد لا ينتج التحويل بالضرورة تراكما
للتراكيب المفاهيمية والعلاقات بين المفاهيم. ويمكن رؤية التحويلات
على أنها عملية إعادة تركيب في جزء من التركيب العاطفي والمعرفي
للمستقبِل. والفرضية هنا تخلق درجة من عدم المقدرة على التنبؤ
بطبيعة التحويلات الدقيقة عند المستقبل الذي يستقبل ويفهم الرسائل
المتماثلة في فترة زمنية. وقد تدعم النظرة بالتالي وتفسر التجارب
العملية وكذلك النتائج المقترنة بالزمن ومشكلات اللبس والغموض في
قياسات واسترجاع المعلومات.
ومن وجهة نظر علم المعلومات، فإن هذه النظرة تؤدي إلى مفهوم
للمعلومات يفي بمتطلبين: فمن جهة فالمعلومات تنتج عن تحويل
التراكيب المعرفية لدى المولد - من خلال النوايا والقصد من
المعلومات، وأنموذج حالات المعرفة لدى المستقبل، وهي تكون على شكل
إشارات - ومن جهة أخرى باعتبارها شيئا "عندما يفهم فإنه يؤثر ويغير
الحالة المعرفية لدى المستقبل (9،
ص. 33). ومن هنا نرى أننا بتحقيق المطلب الأول فقط لا يمكننا
التحدث عن المعلومات، بل عن البيانات فقط. وبصورة أساسية، فإن هذا
الشرط الأول وحده يعكس الفهم العقلاني للمعلومات. فإذا تحقق المطلب
الثاني، عندئذ يمكننا التحدث عن البيانات ذات المعنى.
ومن خلال هذا الفهم فإن نظم المعلومات، بما فيها موضوعات النظام
وبيئاته وآلياته الوسيطة تتألف من "معلومات مجازية" فقط أو
(بيانات) ذات طبيعة معرفية مقدرة وكامنة، وهي التي تتحول إلى
"معلومات حقيقية" فقط عند لحظة تلقيها وتحويلها للحالة المعرفية
لدي
المستقبل.
ويعتبر فيرسيج
G.
Wersig
من أوائل العلماء الذين أسهموا في تقديم النظرة الاجتماعية الشاملة
عن علم المعلومات. وعلى النقيض من الموقف العقلاني السائد، نرى أن
أفكار فيرسيج عن النقل والاتصال التي نشرت من 1971 حتى 1973
(113) سعت إلى التصدي لظاهرة المعلومات والسبب الكامن وراء
الرغبة في الحصول عليها. وكان فهمه مبنيا على منهج مادي واجتماعي
لدراسة علم المعلومات. وتبعا لنظرته فإن للمعلومات معنى بالنسبة
إلى من يستقبلها إذ أنها تخفف من حالة اللبس والغموض عنده. وقد قدم
فيرسيج مفهوم "الموقف الإشكالي" الذي يرى على أنه حيز أو فراغ
المشكلة
problem
space،
لكي يفسر السبب وراء وصول الناس إلى حالة من اللبس والغموض التي ما
لم يتم حلها من قبل الأفراد أنفسهم لأدت إلى الرغبة في الحصول على
المعلومات. وينظر فيرسيج إلى الحالة إزاء التزامات الفرد ضمن سياق
تاريخي مادي.
وقد اقترح يورلاند
Hjorland
كذلك، ولكن من موقع مادي تماما، ما يسمى بالموقف الاجتماعي الهادف
social
objective position،
اقترح فيه معالجة ظاهرة تحليل الموضوع على أنها نشاط ينتج تكشيفا
موضوعيا هادفا
(114). وهذا الأسلوب مرتبط مباشرة بالمجالات العلمية الخاضعة
لمجال محدد حيث لا يستطيع سوى الخبراء في هذا المجال ذاته أن
يؤكدوا الحيثية الهادفة
objective aboutness
وبالتالي تمثيل وحدات المعلومات. وعلى النقيض من أراء بلير التي
مرت
(89)، فإن يورلاند يقول إن الموضوعية في تمثيل مجال معين
ممكنة. فالموضوعية هي دالة
function
لطبيعة المنظورات النموذجية الحالية
current
paradigmatic nature،
مثلما هي دالة لنضج المجال. وهكذا نرى أن المجالات العلمية التي
تظهر كمنظور نموذجي واحد أو كنماذج قوية وقليلة ستتقبل التكشيف
الموضوعي. أما الميادين التي تظهر عددا من المواقف المعرفية
والعلمية، ولكنها تكون ما عدا ذلك ناضجة (مثلا علم النفس، وعلم
الاجتماع، أي الميادين التي تظهر الأعمال التي تنشر فيها لبسا
ثانويا أو لا تظهر أي لبس في ميادين بحوثها) فهي أكثر تعقيدا
بالنسبة إلى تمثيلها موضوعيا. وهذا يعتمد على مهارات (الخبير
المتخصص في ذلك الميدان)، لأن المواقف العلمية المختلفة بمصطلحاتها
الخاصة، يجب أن تهيأ للاسترجاع. وفي المجالات غير الناضجة، نرى أن
الموضوعية متعذرة. وهكذا فإن يورلاند يواجه مشكلة تنصب على تمثيله
الموضوعي المبني على المادية في مجال معين في
بيئة حقيقية، إذ لابد من تعديله تعديلا دوريا وفق التعديلات التي
قد تحدث في المنظورات النموذجية
paradigmatic shifts
في ذلك المجال.
وهناك أمثلة حديثة عن مناهج اجتماعية سلوكية في علم المعلومات
قابلة للتطبيق والتأثير على مجالات البحث. فقد اقترح ديرفين
Dervin
ما يسمى بنظرية صنع المعنى
sense-making
التي تبدو على أنها انفصال عن النظرة المعرفية لسلوك المعلومات لكي
تشكل نظرة تعتمد على التواصل
(16)، وبهذا يمكن فهم المعلومات على أنها رسالة ذات معنى لدى
المستقبل. كما اقترح
Ellis
منهجا سلوكيا كبديل للمواقف المعتمدة على علم النفس والمعرفية
والعقلانية
(115). وكذلك فقد جدد شامبر
Shamber
وأيزنبرج
Eisengerg
ونيلان
Nilan
مشكلة المطابقة
relevance
التي تطرح دوما في الميدان
(53)، حيث بنوا نظرتهم على آراء وينوجارد
Winogard
وفلوريس
Flores
التأويلية المستمدة من علم الاجتماع حول تصميم النظم
(116)
والتي سنلخصها فيما يلي.
المنهج التأويلي
Hermeneutic Approach
فبينما جادامر يوحي بتحليل للعمليات التفسيرية المصاحبة للنظرة
المعرفية، فإن مناهج هايدجر في المعنى والفهم ذات طبيعة فلسفية
عميقة. فمفهوم الدائرة التأويلية (الحلزونية
spiral)
عند جادامر التي تشمل فكرة "الآفاق" الفردية التي تتلاقى أثناء
عمليات التواصل والتفسير، وفكرة الفهم المبدئي التي هي مسؤولة عن
استعمال اللغة التي تحرك فهم الفرد - قد تشكل تفسيرا لنقل
المعلومات. ويمكن للمرء أن يلاحظ نقاط تشابه معينة قد تكون سطحية
بين الافتراضات المسبقة والفهم المسبق وحالة المعرفة والأفق وكذلك
المفاهيم الأخرى المتمسكة بالنظرة المعرفية وتأويليات جادامر على
التوالي. ولكن على النقيض من النظرة المعرفية، فإن المناهج
التأويلية لا تتضمن العناصر المرتبطة بالآلة والأمور التي تهم علم
المعلومات. فتبعا لوينوجارد وفلوريس فإن آراء جادامر لا تعطي مجالا
للتمثيلات العقلية الموضوعة بين استعمال اللغة والفهم التصوري
(الإدراك
cognition)
لدى الفرد. وبما أن عددا من التمثيلات الديناميكية ذات البنيات
والسياقات المتغيرة تؤدي أدوارا مهمة في عمليات التواصل التفاعلية
التي تهم البحث في هذا المجال، فإن الدراسات والنظريات المعتمدة
على التأويل لم تظهر حتى الآن فرضيات ونظريات مرتبطة بهذه الأمور
أو تشمل هذه الأمور. وليس من الصعب على المرء أن يفهم هيكلا ممكنا
باستطاعته أن يعطي نظرات في السلوك المعلوماتي للإنسان مكملا لتلك
الأراء الشاملة التي تعطيها النظرة المعرفية. ويمكن للمرء أن يفكر
في المفاهيم الأساس، مثل الرغبة في الحصول على المعلومات، والحيثية
aboutness
وتفسير النصوص خلال أنشطة التكشيف، وفهم اللغة المناسبة
والمعلومات والمعنى. والخطوة الهامة التالية بالنسبة إلى البحث
المؤسس على استعمال وينوجارد وفلوريس أو على مبدأ التأويل ذاته، هو
تطويع هذه الأبحاث المعرفية المنهجيه للتطبيق.
ومن زاوية مختلفة إلى حد ما، فإن بلير أدخل فيما بعد فلسفة اللغة عند فيتجنشتاين Wittgenstein خاصة فيما يخص النظريات والتمثيلات والتكشيف في البحوث المتعلقة باسترجاع المعلومات (89). وكما رأينا في الآراء التأويلية فإن هذا المنهج يركز على استعمال اللغة من أجل الفهم والإدراك، ولكن في مفهوم بلير يعتمد استعمال اللغة مباشرة على السياق البشري في مواقف معينة human situational contexts. فالمعنى لا يرتبط بتراكيب اللغة ذاتها، ولا بوحدة محددة كما يعتقد الباحثون التقليديون في استرجاع المعلومات.
وكما رأينا في الموقف المعرفي، فإن معنى (الوثيقة) يتحدد باستعمال
كامل النص والسياق (المقام) في المستوى المعرفي من التواصل. ومن
هنا نجد أن بلير يقترح أن على التكشيف أن يدخل في حسابه هذه الرموز
أو الشارات
semiotics
غير المحدودة. وتبعا لذلك، لا يمكن للتكشيف أن يكون موضوعيا. وهكذا
نرى أن تمثيلا متعدد الجوانب ضروري لكي يحيط بالأنواع الطبيعية من
استعمال اللغة والوثائق. وفي رأيه أن جوانب التكشيف المطبقة على
نظام معين يجب ألا تكون بادية للمستفيد، وهذا يوحي بأن استرجاع
المعلومات يمكن أن يتم عن طريق التمثيل.
الخاتمة
وهناك كتابات أخرى هامة في هذا المجال، منها ما يهتم بالمنظورات
التأويلية واللغوية والسيكلوجية للمعلومات (120-124)،
ومنها ما يهتم بالذكاء والعقل
(125)، ومنها ما يتناول المعرفة والإدراك (126-127).
كما تعتبر الدوريات التالية لب دراسة علم المعلومات:
·
Information
Processing and Management (
·
Library
Quarterly (United States)
وهناك دراسات عربية خاصة بتدريس علم المعلومات تتعلق أكثر بمناهج
التدريس من واقع خبرات بعض الدول، مثل الصين وفرنسا وتونس (128-132).
1.
Hanson, C. W. The first ten years (1968). The Information Scientist,
vol 2, n. 1, 1-2.
3.
Cooper, S. P. Who Are We (1974). The Information Scientist, 8 (1),
5-9.
4.
Library
Association Centenary (March 1977). The Information
Scientist, 11 (1), 1-2.
8.
Ingwersen, Peter (1995).
Information and information science. In: Encyclopedia of Library
and Information Science, vol. 56, Suppl. 19 (pp. 137-174).
9.
Ingwersen,
Peter (1992). Information retrieval interaction.
24.
Brier, S. (1992). Information and consciousness: A critique of
the mechanistic concept of information.
Cyber. Human Knowing, 1 (2/3), 71-94.
25.
Brookes, B. C. (1975). The fundamental problem of information
science. In:
Informatics 2. (pp. 42-49). Edited by V. Horsnell.
26.
Mikhailov, A. I. , Chernyi, A. I., and Giliarevskii, R. S.
(1968). Informatics: its scope and methods. In: Theoretical
problems of informatics (FID 435). (pp. 7-25). Moscow: VINITI.
27.
Barnes, R. F. (1975). Information and Decision. In: Perspectives in
information science. Edited by A. Debons and W. J. Cameron (pp.
105-117). Leyden: Noordhof.
29.
Fairthorne, R. A. (1967). Morphology of Information Flow. Journal of
ACM, 14 (4), 710-719.
32.
Debons,
Anthony (1980). Foundations of information science. In:
Theory and Application of Infornation Research, (pp. 75-81).
Edited by O. Harbo et al.
46.
Ranganathan, S. R. (1952).
47.
Bradford, S. C. (1934). Sources of Information on Specific Subjects.
Engineering, 137, 85-86.
48. Lotka, A. J. (1926). The frequency distribution of scientific
productivity." Journal of
49. Zipf, G. K. (1932). Selected studies of the principle of relative
frequencies of language.
50. Ellis, D. (1990). New Horizons in Information Retrieval.
52.
Schamber, L, Eisenbcrg, M. and Nilan, M. (1990). A re-examination of
relevance: toward a dynamic, situational definition, (pp.
755-776). Information Processing & Management, 26 (6).
55. Meadows, A. J. (1990). Theory in Information Science. (pp. 59-63).
Journal of Information Science, 16.
60.
Garfield, E. (1979). Citation indexing: its theory and application in
science, technology and humanities, New York: Wiley. Reprinted
by ISI Press, 1983.
69. Ellis, D. (1992). The physical and cognitive paradigms in
information retrieval research." Journal of Documentation, 48,
45-64.
75. Willett, P. (1988). Recent trends in hierarchic document clustering:
a critical review. Information Processing & Management, 24 (5),
577-597.
78.
Smeaton, A. F. and van Rijsbergen, K. (1988). Experiments on
incorporating syntactic processing of user queries into a
document retrieval strategy. In: ACM/SIGIR conf. proc. Edited by
Y. Chiaramella. (pp. 31-52).
79. Belkin, N. J. and Croft, W. B. (1987). Retrieval techniques. ARIST,
22, 109-145.
83.
Saracevic, T. and Su, L. (1989). Modelling and measuring
user-intermediary-computer interaction in online searching:
design of a study. American Society of Information Science
Processing, 26, 75-80.
84.
Ingwersen, P. (1982). Search procedures in the library
analysed from the cognitive point of view. Journal of
Documentation, 38, 165-191.
95.
Johannsen, C. G. (1992). The Use of quality control
principles and methods in library and information science theory
and practice. Libri, 42, 283-295.
100. Meyhew,
D. (1992). Principles and Guidelines in Software User Interface
Design.
104.
Brookes, B. C. (1977). The Developing cognitive viewpoint in
information science. In: CC 77: Int. Workshop on the Cognitive
Viewpoint. (pp. 195-203). Edited by M. De Mey.
106.
Belkin, N., Oddy, R. and Brooks, H. (982). ASK for Information
Retrieval."
Jornal of Documentation, 38, 61-71 (part 1); 145-164
(part 2).
107.
De Mey, M. (1977). The Cognitive viewpoint: its development
and its scope. In: CC 77: Int. Workshop on the Cognitive
Viewpoint. (pp. xvi-xxxii). Edited by M. De Mey.
112.
Brookes, B. C. (1977). The developing cognitive viewpoint in
information science. In:
CC 77: Int. Workshop on the Cognitive Viewpoint. (pp.
195-203) Edited by M. De Mey.
114.
Hjorland, B. (1992). The Concept of 'Subject' in information
science. Journal of Documentation, 48 (2), 172-200.
123.
Neill, S. (1992). Dilemmas in the Study of Information:
Exploring the Boundaries of Information Science.
126.
Gardner, H., The Minds New Science: A History of the
Cognitive Revolution, Basic Books,
127.
Shank, R. C. and Abelson, R. P, Scripts, Plans, Goals, and
Understanding: An Inquiry into Human Knowledge Structures,
Erlhaum,
128.
أحمد الكسيبي. تطور تكنولوجيا المعلومات وواقع تدريس علوم
المعلومات في تونس. (يناير 1995). الاتجاهات الحديثة في المكتبات
والمعلومات. المجلد الثاني، العدد الثالث. 168-205.